أبو الفتوح قلقيلة
الدين والتدين على طريقة عفريتة هانم!
قد تجد نفسك مضطرًا لاستدعاء عوالم عبثية لتفسير الواقع سواء كان هذا الواقع اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو دينيًا، نعم قد يكون العبث واللا معقول هو مدخلك الأنسب لتفسير وفهم ما يدور حولك، ولقد كان فيلم ( عفريتة هانم ) هو أحد تلك المفاتيح السحرية لتفسير تلك الهجمة الشديد، على كل ما يمت للدين بصلة في هذه الأيام بعد قرارات اتخذتها دولة مجاورة أثارت جدلا واسعا ورفضها الأزهر الشريف لن نخوض فيها تجنبًا للتكرار غير المجدي.
وإحقاقًا للحق يأتي هذا الهجوم من أفراد وجماعات لا ينتمون أو يمثلون بشكل رسمى الدولة المصرية، مع كل انتقادنا المستمر لها، خاصة في خطواتها الاقتصادية المنحازة للأغنياء والمهدرة لحقوق الفقراء.. ومع ذلك لم نر تدخلا من الدولة في مهاجمة ثوابت الدين مثلما حدث من شلل أعداء الدين والتدين في مصر والذين يتوارون خلف مسميات لا يفقهون جوهرها.. فمنهم من يسمي نفسه علمانيا وليبراليا ويساريا ويمينيا في آن واحد! ثم تراه يمارس عبثية دينية أكبر من تلك التي كانت في الفيلم المشار له في مقدمة المقال!
فلقد وجد هؤلاء أن الدين، وخاصة الإسلام، هو سبب كل كارثة لهم في الحياة وفى الكواكب الأخرى والمجرات المجاورة فقاموا على الفور يمارسون الجهاد ضده بكل قوة.. ولكن ما علاقة هذا بفيلم (عفريتة هانم) والذي قدمه المرحوم فريد الأطرش مع سامية جمال وإسماعيل يس في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي؟
الفيلم كما يعرف أحداثه الكثيرون، يحكى عن المطرب المغمور (عصفور) والذي لا يجد فرصة للشهرة أو فرصة للزواج من فتاة أحلامه الراقصة (علية) والتي كانت مع والدها على استعداد دائم لإكرام أي إنسان يدفع أكثر.. قطاع عام بلغة شلل التنوير اللادينى، ومع ذلك كان المطرب الجميل اللطيف (الكيوت) قانعًا وراضيًا بل متعلقًا بها لدرجة الجنون، حتى يأتيه المدد من (العفريت) الذي يأتي له بالراقصة العفريتة التي أحبته من زمان عندما كان عفريتا معها.. فتملأ حياته نقودا وعشقا ونجاحا وأشياء أخرى.. ممكن أن تقول إن القصة تافهة أو حتى (عبيطة) وعبثية، لكن ما وراء القصة هو الكارثة التي رسختها كثير من الأفلام المصرية بعدها وربما قبلها في وجدان المصريين والعرب عن الدين والتدين.. كيف ذلك؟
تجد مثلا أن العفريت المرحوم الفنان (زكى إبراهيم) صاحب السعادة في الفيلم والذي كان يظهر لفريد الأطرش ويسمى نفسه ( القسمة والنصيب ) رجلا وقورا يمسك مسبحة وشديد التدين ويتحدث عن مكارم الأخلاق وكل القيم النبيلة.. شخص يتحب بجد، ثم تجده يقدم الحل راقصة عارية تعمل معه في كباريه يقدم الخمور فتملأ الدنيا على فريد الأطرش وتفتح له كل شىء.. كل شىء بلا خجل ومع ذلك فالرجل متدين وجميل ويقدم لنا الدين الوسطى الرائع الذي يطالب به الآن كل المهاجمين للدين في شكل شرائع مقدسة ونصوص قطعية الدلالة قطعية الثبوت..
هؤلاء استبدلوا كلام رب العباد وخالقهم برؤية (عصفروت) الذي يحفى وراء راقصة تبيع جسدها كل ليلة على الملأ.. طبعا إن كنت ترى ذلك عيبًا أو والعياذ بالله (حراما) فأنت مثلى متخلف ورجعى وغير تقدمى وربما إخوان وداعشى مستقبلا، وإن كنت ترى ذلك منافيا لقيم المروءة والرجولة والشهامة فأنت ذكورى متعفن، مع مزيج من شتائم وألفاظ تشمئز منها كل نفس سوية.. ما هذا المتخلف الذي يتحدث عن الدين والاحتشام والستر والعفة.. إنه يستحق أن يوضع في متحف.. امسك سبحة ماشى، صلي مفيش مانع لكن تقول لى هذا حراما وعيبا.. تبقى قولا واحدا "متخلف".. ونحفّل عليك في مواقع التواصل وهاتك يا ألش ولايكات من بنات (مستقلة) عن أسرهن تثبت ذاتها بالألفاظ القبيحة وشباب "كيوت" يعطونهم مددًا متواصلا من البذاءة!
تأثر قطاع كبير من هؤلاء اللادينيين بأخلاقيات بعض كتاب السيناريو والمخرجين في السينما المصرية الذين جعلوا كل بيت مصرى تقريبا به مخزنا للخمور أو بارا مصغرا به بعض زجاجات البيرة على الأقل.. أضعف الإيمان عندهم، ثم صوروا أن علاقات ما قبل الزواج شىء منطقى ومقبول، وستجد كثيرا من ( نجوم ) هذه الأيام يدافعون عن تلك الفكرة بالذات بكثير من الحماس والإخلاص، وستجد أيضا قضايا إثبات نسب كثيرة كان أطرافها نجوما وعاظا لنا عن كيفية فهم الدين الوسطى بطريقة صحيحة!
وبالقطع ليس من حقنا الحجر على رأي هؤلاء ولكن فقط عليهم أن يعلنوا للناس بشجاعة أنهم غير مؤمنين بهذا الدين، أو أي دين يحرم العلاقات خارج إطار الزواج ويحرم الخمور والشذوذ الذين سموه اسمًا شيكا (المثلية)، ثم يتحفوننا بتفسيرهم للدين الجديد ويخرجوا لنا نصوصًا مقدسة من إبداعهم وإنا لمنتظرون.