الأهرام
أشرف محمود
أبو على بائع الصحف الذى تفوق على المثقفين
التقيت مجموعة من الاصدقاء العرب على هامش رحلة عمل الى الاردن، ودار حديثنا عن الثقافة التى باتت غريبة فى عالمنا العربى بفعل انتشار الوسائط التكنولوجية، وأبدى البعض منهم قلقه على مستقبل الامة العربية فى ظل تراجع الاقبال على الكتب، أو التردد على المكتبات، وضرب أحدهم مثالا بتجربة مصر التى كانت سباقة عندما اطلقت مكتبة الاسرة وأعادت طباعة امهات الكتب وطرحتها للبيع بأسعار زهيدة حتى تكون فى متناول الجميع ليسهل اقتناؤها والاستفادة منها، وشكا اخرون ممن شاركونا الحوار من استمرار انصراف الجيل الجديد عن الكتاب والصحافة الورقية التى كانت مدرسة الشعب الاولي، فباتت تواجه تحديا كبيرا فى ظل دخول الانترنت وانتشار القنوات الفضائية، وبينما الجميع مستغرق فى الحديث، اذ بالصديق قدرى يهتف كما ارشميدس وجدتها، وكانت فكرته ان ننتقل الى قلب العاصمة الاردنية عمان لنلتقى صاحب أشهر وأقدم مكتبة للثقافة العربية حسن ابو علي، فلديه سيكون الجواب الشافى لاستفساراتنا واسئلتنا، وهناك وجدناه امام مكتبته التى تشبه اكشاك الشوارع المصرية، فاستقبلنا بترحاب كبير وفتح صندوق ذاكرته مؤكدا انه يجلس فى هذا الكشك منذ اكثر من ستين عاما، ورفض كل محاولات إغرائه لافتتاح مكتبة كبيرة فى مكان افضل من الرصيف، لكنه رفض وبقى صامدا فى مكانه ضد كل محاولات نقله او ازالة مكتبته فى ظل التطوير الذى شهدته منطقة وسط البلد العمانية، لكنه بقى بقرار من الملك حسين، وأشار الى انه يرتبط بعلاقة وطيدة مع كل الادباء العرب الذين زاروا الاردن ، واولئك الذين باع كتبهم او الصحف التى تكتب فيها مقالاتهم ، وذكر اسم الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، مؤكدا انه كان يحمل نسخ الاهرام وقبل ان يصل الى مكتبته تنتهى النسخ عن آخرها ، ولوكان لديه ضعف الكمية لبيعت كلها ، وكذلك كان حال الكتب الفكرية والادبية من روايات ودواوين شعر ، مرجعا ذلك الى أن الكتاب كان يلقب بخير صديق فى الزمان ، وكان هو وسيلة التعلم والفهم والخيال والتسلية ، لكن الرجل الثمانينى ابو على تنهد قبل ان يستطرد فى حديثه عن الثقافة العربية متحسرا على زمن فات ، وتراجع واضح فى الدور المنوط بالثقافة، مؤكدا ان الاجيال الجديدة لاتملك ماكان لدى الاجيال الرائدة ، كما أن ايقاع الحياة افقدها الخيال والابداع ، لكنه اكد أن الصحافة الورقية والكتاب سيظلان باقيين لانه جرى العرف ان ظهور وسيلة اعلامية لايلغى الوسيلة التى سبقتها، كما حدث عند ظهور الاذاعة بعد الصحافة، ثم ظهور التليفزيون بعدها فبقيت الوسائل الثلاث مستمرة حتى الآن وان حدث تراجع لبعضها فى كمية التوزيع والانتشار ، وبينما جميعا ننصت باهتمام لابى علي، اذا به يقطع حديثه عن الثقافة ويبادرنى بالقول: انت صحفى مصري؟ فأجبت نعم ، فقال إذن فأعلم ويعلم معك الجميع من ابناء الامة، اننا نمر بمرحلة خطيرة فى تاريخ امتنا/ مرحلة باتت فى الاقتتال فى المدن العربية على الهوية، وبات هناك مرتزقة يدعون انهم اسلاميون يدافعون عن الدين وهو منهم براء، هدموا البيوت وشردوا الاسر وذكموا الانوف برائحة الدم الذى يريقونه بدم بارد، والى جانب ذلك يحطمون عن عمد وجهل آثار حضارة تمنح بلادنا العربية تميزا وخصوصية عن نظيراتها فى العالم، لكن هؤلاء المرتزقة المدعون جاءوا ليحيلوا حياتنا دمارا وخرابا، وبالتالى عليكم انتم ايها الصحفيون العرب دور مهم للغاية لتبصير الامة ، وتنبيه الشعوب بما يحاك لها فى الظلام ، وعلى كل أهل الفكر والادب والثقافة والاعلام، أن يقفوا على قلب رجل واحد لمؤازرة بلادهم حتى تنتصر على اعدائها ، وعاد ابوعلى ليخصنى بالحديث قائلا: انا من عشاق مصر وأتابع أحداثها عن قرب عبر مسار حياتى، وخصوصا فى السنوات الاخيرة ، وسعدت لسعادتكم فى 30 يونيو وانقاذكم لبلدكم، وقد حباكم الله بقائد وطنى يليق بمصر والامة العربية العربية هو الرئيس السيسى ، وأثق انه قادر على أن يخطو بمصر نحو المستقبل المزدهر ، ويجتاز العقبات التى تحول دون انطلاقاتها الاقتصادية حاليا لكن هذا الامر الى زوال فعزيمة القائد ودعم الشعب كفيل بأن يحقق المعجزات، وعليكم دعمه والوقوف خلفه حتى يتحقق الهدف المنشود ، واختتم ابو على كلامه بالدعوة للامة العربية كلها بالصلاح والاستقرار والوحدة ، وودعت الرجل شاكرا له مشاعره النبيلة تجاه وطنى مصر ، وبينما اودعه وقعت عيناى على صورة معلقة على جدار الحائط الملاصق لمكتبته والتى يمنحه فيها الملك حسين وسام الثقافة، فأدركت انه يستحق التكريم دون أن أسال عن التفاصيل، فالرجل الذى ثقف نفسه بنفسه وساهم فى توزيع ونشر المعرفة عبر مسيرة عمر طويلة يستحق التكريم، ووجدتنى اتساءل بينى وبين نفسى ، ما أحوجنا فى وطننا العربى لمئات بل الاف من نوعية حسن ابو على الذى فاق فى رؤيته النخب الثقافية العربية التى تسببت فى انصراف الكثيرين عن الثقافة .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف