ماجد حبته
سقوط «س. خ».. و«الردع العام» الغائب!
لا يكاد يمر يوم، دون الإعلان عن سقوط مرتشين من فئات مختلفة، ومن مختلف سلالم التدرج الوظيفي في أجهزة الدولة، وفى أكثر المواقع حساسية، ولا أعتقد أن هناك ما هو أكثر كارثية من وصول السرطان، سرطان الرشوة، إلى القضاة ونواب المحافظين، وما خفي ربما يكون أبشع.
الواقعة الأحدث، والتي لا نتوقع أن تكون الأخيرة، هي قيام هيئة الرقابة الإدارية، ظهر الأحد ٢٧ أغسطس الجاري، بإلقاء القبض على «س.خ» نائبة محافظ الإسكندرية، داخل ديوان عام المحافظة بعد ثبوت تورطها في عدة وقائع فساد تشمل الرشوة، التربح والإضرار بالمال العام. ومن بيان أصدرته الرقابة الإدارية، عرفنا أن التحريات أكدت تقاضى المتهمة «مبالغ مالية وعطايا مادية ومصوغات ذهبية» من خمسة رجال أعمال، مقابل استغلال سلطاتها والإخلال بواجبات وظيفتها. كما أكدت التحريات، طبقًا للبيان، تعمد المتهمة إخفاء عناصر ثروتها، غير المشروعة، بأسماء آخرين تجنبًا للملاحقة.
تكرار الحالات، بهذا الشكل المفزع، واستمرار سقوط الجناة، أو المُشتبه في كونهم جناة، يكشف عن خلل حال دون تحقيق الهدف الأهم من وجود قانون العقوبات، والغاية من إقرار العقوبات وتطبيقها. ومن البديهيات أن الهدف من تشريع العقوبة وتطبيقها هو منع الجاني، من مخالفة أو انتهاك القانون مرة أخرى، ومنع غيره من تقليده، بإنذارهم أو تهديدهم من عواقب الفعل نفسه، أو انتهاك أو مخالفة القانون بأي شكل من الأشكال. بلغة أهل الاختصاص، الهدف هو تحقيق الردع العام قبل تحقيق الردع الخاص.
العقوبة في القانون، تعادل المضاد الحيوي في الطب: تعمل المضادات الحيوية على قتل البكتيريا المسببة للمرض أو وقف تكاثرها، وتعطى الجسم فرصة لتقوية مناعته والقضاء عليها. وتعمل العقوبة على القضاء على الجرائم ووقف تكرارها، وتعطى النفس البشرية الفرصة لكبت نوازع الشر أو بواعث الجريمة، وتمنع الإجرام الكامن من التحول إلى إجرام فعلى.
سؤال «الردع العام»، هو واحد من أسئلة كثيرة، أقرب إلى الألغاز، طرحها سقوط «س.خ» أو «سعاد عبدالرحيم الخولي». أسئلة تبدأ من الطريقة التي تم بها تصعيدها من طبيبة بيطرية لا تحمل أي مؤهلات غير بكالوريوس الطب البيطري إلى وكيل وزارة الزراعة فنائب محافظ، وكانت قاب قوسين أو أدنى من الجلوس على مقعد المحافظ، الذي جلست عليه بالفعل بعد استقالة هاني المسيري، محافظ الإسكندرية الأسبق، بصدور قرار رئيس الوزراء، في ٢٥ أكتوبر ٢٠١٥، بتكليفها، لتكون القائم بأعمال المحافظ.
وبينما كانت تطمح إلى (أو تطمع في) منصب المحافظ، وقع الاختيار على المهندس محمد عبدالظاهر محافظًا، في ٢٦ ديسمبر ٢٠١٥، لتعود هي إلى «نائبة» مرة أخرى، ولتستمر في الموقع لاحقًا مع اثنين من المحافظين: اللواء رضا فرحات (من ٧ سبتمبر ٢٠١٦ إلى ١٦ فبراير ٢٠١٧) ثم الدكتور محمد سلطان، المحافظ الحالي!
أربعة محافظين والنائبة مستمرة، بل إنها كانت تنتظر الصعود أو التصعيد أو تطمح إلى ذلك أو تطمع فيه، مع أن خبراتها العلمية، من واقع سيرتها الذاتية، تزيد الأمر تعقيدًا، ومجمل خبراتها العلمية والعملية يجعل ما حدث معها في ٢٠١١ هو السقف الذي يحتاج تخطيه إلى معجزة. وما حدث في ٢٠١١، هو أنها بعد انتدابها مديرًا لمديرية الطب البيطري بالقاهرة، صدر قرار بتعيينها رسميًا. وقبل ذلك كانت وكيل إدارة المجازر والتفتيش بمحافظات «السويس، الشرقية، البحر الأحمر، ثم مدير مجزر الغردقة، ومدير تنفيذي لمشروع التأمين على المذبوحات بمحافظة البحر الأحمر، و....و.... ومستشار رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية».
هل يحل الأداء الاستعراضي المعضلة؟!
صورتها وهى تفترش الأرض أثناء حادث قطاري منطقة خورشيد، يقول إنها أدمنت الاستعراض. والثابت، على الأقل منذ تولت منصب نائب محافظ الإسكندرية، هو أنها تعرف جيدًا كيف تستلفت انتباه الكاميرات، أو تسرقها بلغة السينمائيين، وتعرف أيضًا كيف تنتزع صيحات إعجاب الصحفيين، صغارًا وكبارًا، الذين منحوها ألقابًا من عينة سيدة الإسكندرية الأولى.. المرأة الحديدية.. و«النائبة الدكر»! لكن، كما لا يُصلح العطّار ما أفسده الدهر، فإننا لا نعتقد أن الأداء الاستعراضي، وحده، يمكنه تعويض غياب المؤهلات أو الخبرات أو يعالج القصور في الأداء الفعلي.
هناك أسئلة تحتاج إجابات، وألغاز ربما تتمكّن الرقابة الإدارية من حلّها لو تتبعت طريقة صعود المذكورة وكيفية تصعيدها، الأمر الذي سيضيف إلى رجال الأعمال الخمسة، الذين سقطوا معها، شركاءً آخرين، قد يكون من بينهم اللواء عادل لبيب، وزير التنمية المحلية السابق، الذي تردّد أن اختيارها نائبة للمحافظ، يعود إلى علاقة صداقة ربطته بزوجها، لواء الشرطة السابق. وقد ينضم إلى القائمة أحمد الوكيل، رجل الأعمال المعروف، رئيس اتحاد عام الغرف التجارية، الذي طالب، مرارًا وتكرارًا، السلطات المختصة بتعيينها في منصب المحافظ!
الخلاصة، هي أن نائبة المحافظ سقطت، ولم يمنعها من السقوط كونها زوجة لواء شرطة سابق، وأُمًا لضابطي شرطة، كما لم يردعها سقوط عشرات قبلها. ولا علاقة لنا بنوازع الشر وبواعث الجريمة في النفس البشرية، وبما قد يكبتها ويحول دون تحولها إلى إجرام فعلى، بقدر ما يعنينا ذلك الخلل الذي جعل المذكورة تستخف بالقانون وبالعقوبة، وبالتالي عدم تحقق الردع العام.
قطعًا، يوجد خلل، إما في ضعف العقوبة وعدم كفايتها، أو في «ميكانيزم» القضاء، أي في الكيفية التي تسير بها إجراءات التقاضي في هذا النوع من الجرائم: جرائم الرشوة.