التحرير
محمد على الهوارى
«محاسيب الست»
العلم بغير إيمان ضرب من النقص المعيب؛ أما الإيمان بغير علم فمهزلة لا تطاق. دوستويفسكي

كان الممثل المسرحي زكي عكاشة، مدير تياترو الأزبكية في العشرينيات يعتبر أولاده عينة عشوائية كاشفة لنجاح أي مسرحية محتملة، فهم بالنسبة له الجمهور الأول الذي يقرأ عليهم الروايات المعروضة عليه، فإذا ناموا أثناء قراءة المسرحية أضحى ذلك مؤشرا بأن هذه الرواية رتيبة ومملة، أما إذا ظلوا مستيقظين فإن ذلك كان مؤشرا على أنها جذابة وشيقة فيشتريها على الفور، وكان أستاذنا توفيق الحكيم خبيرا بطريقة الأستاذ زكي عكاشة في اختيار المسرحيات، لذا كان الحكيم يذهب خصيصا إلى زيارة ستنا السيدة زينب مرة كل شهر، يتوسل إليها أن تجعل أولاد الأستاذ زكي مستيقظين أثناء قراءة مسرحياته وبالفعل هذا ما كان يحدث!
هكذا كان يعتقد رائد الفلسفة العقلانية في الأدب العربي. لا شك أن طاقة الإنجاب الروحي للحكيم تجاه أنوار السيدة زينب مثيرة للتأمل، فقد أهداها كتابه "عصفور الشرق" الذي يبرز التباين الحضاري بين الشرق والغرب، وكتب "إلي حمايتي الطاهرة السيدة زينب" بل وأطلق اسم زينب على ابنته. وأظنه قال "أنا أحس بشعوري الداخلي أن الإنسان ليس وحده في هذا الكون وهذا هو الإيمان. وليس من حق أحد أن يطلب للإيمان تعليلا أو دليلا، فإما أن نشعر أو لا نشعر وليس للعقل هنا أن يتدخل ليثبت شيئا، ولأولئك الذين يلجأون إلى العقل ومنطقه ليثبت لهم الإيمان نفسه، فالإيمان لا برهان عليه من خارجه. إني أومن بأني لست وحدي.. لأني أشعر بذلك. ولم أفقد إيماني لأني رجل معتدل". حسنا، لماذا يحب المصريون السيدة زينب بهذا الشكل العجيب؟ ربما يجيب عن هذ السؤال لوحة محاسيب الست للفنان التشكيلي السكندري عبد الهادي الجزار التي تبرز انجذاب طوائف الشعب تجاه أسرار المدد الزينبي، يتساوى في ذلك المثقفون والعوام والعلماء والبسطاء والأغنياء والفقراء. فالسيدة زينب هي شخصية جذابة لها أبعاد أسطورية وملحمية وفريدة من نوعها في التاريخ الإسلامي كانت قائدة قوية لا تخشى في الحق لومة لائم، صابرة في الشدائد لا تلين محتسبة في المصائب حكيمة فصيحة عاقلة أريبة، أسهم في تكوينها عظماء العظماء، فهي حفيدة رسول الإنسانية وابنة فاطمة البتول، خير نساء العالمين، وأبوها الإمام علي، باب مدينة العلم، وأخوها أكبر ثائر في تاريخ البشرية، الذي قال عنه المهاتما غاندي: «تعلمت من الحسين كيف أنتصر وأنا مظلوم». من منا لم يتأثر عندما كان يسمع صوت عم جمعة حسن الكومي الدافئ من خلال الراديو وهو يصدح "عشان خاطر ستنا المشيرة العظيمة الرئيسة الكريمة ستنا السيدة زينب» في حب الرئيسة المشيرة الكريمة أم المساكين «قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف