المصريون
جمال سلطان
كيف يخدم "الخرباوي" الإخوان ومشروعهم ؟!
الصديق ثروت الخرباوي ، المحامي والقيادي السابق بجماعة الإخوان ، شديد التوتر والقلق ، وعجول جدا في توزيع الاتهامات ، الأمر الذي يجعله يعطي في النهاية رسالة مغايرة لما يظهر من كلامه ، وهو لا يتكلم منذ سنوات تقريبا إلا عن الإخوان وخطرهم ، غير أن مبالغاته الكبيرة في الاتهامات وربط الدول والرؤساء والحكام بهم ونسبة أي مشكلة ولو صغيرة بمخططاتهم ، تؤدي ـ عمليا ـ إلى خدمة الإخوان وتمثل دفاعا غير مباشر عنهم ، لأن الرأي العام يتعامل مع هذه الروايات باعتبارها حملات تشويه لا يقبلها المنطق ، فيبدو الخرباوي وكأنه خلية إخوانية نائمة في حضن النظام فعليا لإفساد حملته على الجماعة .
عرفت الصديق المتوتر ثروت الخرباوي قبل حوالي اثني عشر عاما ، كان قد خرج لتوه من جماعة الإخوان بعد أن كان قياديا تراهن عليه الجماعة في نشاطها النقابي ، خاصة في نقابة المحامين ، وكنت قد أسست في ذلك الوقت موقع "المصريون" ورأس تحريره معي الأستاذ محمود سلطان ، كان للإخوان وقتها نفوذ وسطوة إعلامية ومالية وقدرة على تأديب الخارجين عنها ، فاحتضنا ثروت وقتها وفتحنا له الموقع ليكتب رأيه بحرية ، سواء في نقد الجماعة ، حيث كان ينقدها في تلك الأثناء على استحياء وبلغة مترددة وقلقة ، أو في مقالاته الأخرى التي كان ينتقد فيها الدولة عندما كان يمارس دور المعارض ، ومنها مقال شهير نشره في "المصريون" وأثار ضجة وقتها ، عن قصة وزير الداخلية الذي احترقت يده في النار ، وهي قصة أصبحت شهيرة الآن وأعاد كثيرون نشرها ، وهو ما سبب حرجا لثروت وأقلقه .
عندما وقعت أحداث 3 يوليو 2013 ، ونشطت موجة التصدي لجماعة الإخوان ونفوذها الإعلامي والمالي والسياسي بضراوة ، ركب ثروت الخرباوي الموجة ، وتحولت لغته تماما إلى العنف الشديد والاتهامات المتلاحقة والمبالغات الواضحة ، وكان يبذل جهدا كبيرا لكي يكون متصدرا للمشهد الفكري والإعلامي الناقد للجماعة ، كما كانت الحملة على الإخوان وما يتصل بها مقلقة له هو شخصيا ، لاستشعاره الدائم "أن على رأسه بطحة" ، فهو قيادي سابق بالجماعة ، أي موضع اتهام وشك دائم ، ويريد أن يثبت بصفة مستمرة أنه لا يحسب على الإخوان بأي وجه ، فكان يبالغ في هجاء الإخوان ويعظم من خطرهم ويقدم روايات مثيرة عن إمكانياتهم وأعمالهم ، لينفي عن نفسه التهمة ، مستغلا هوجة إعلامية فاقدة للعقل والمنطق والاحتراف ، فاتهم قيادات أمريكية وبريطانية رفيعة بأنها موالية للتنظيم الدولي للجماعة وترعى الإخوان سياسيا وأمنيا ، ثم نسب حاكم قطر تميم ورئيس تركيا أردوغان بأنهما أعضاء في التنظيم الدولي للإخوان ، وهو كلام يثير الغثيان بالفعل ، ولما تم التحفظ على أموال اللاعب الدولي محمد أبو تريكه تحدث عن أن أبو تريكه مول تنظيم الإخوان بثلاثين مليون جنيه ، هكذا قال ، ثم لما حدث هجوم إعلامي على الأزهر ، لم يترك الفرصة فهاجم الأزهر وشيخه واعتبره يخدم الأجندة الإخوانية بل اعتبر أن الأزهر يخدم تنظيم داعش الإرهابي نفسه ، ثم تحدث عن أن ثروات الإخوان الكبيرة أتت من تجارة الحشيش والمخدرات في أفغانستان ، ثم قال أن الإخوان كانت تبني المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة ، هذا بالإضافة إلى إسراف غريب في نسبة أي حدث سلبي للجماعة ، مثل اتهامه لها بأنها قتلت الفنانة أسمهان قديما ، وأنها سبب أزمة السكر والخبز العام الماضي .
المشكلة الأساسية في هذا الأسلوب الدعائي أنه يتسبب في إفساد الهدف الأساسي من النقد السياسي ، لأنه يعطي الانطباع للمتلقي بأن ما يراه ويسمعه هو "هوجة" ، بروباجاندا ، خرافية للتشويه ليس أكثر ، وبالتالي تفقد أي اتهام صدقيته ، حتى لو كان صحيحا ، لأنه يضيع وسط هذه الموجة من المزايدات والحكايات الغريبة والمثيرة للشفقة ، أي أن ما يفعله صديقنا الخرباوي هو خدمة مجانية بالفعل لجماعة الإخوان ، ودفاع غير مباشر عنهم ، وتجميل لصورتهم في الرأي العام كمجني عليهم ومتحامل عليهم ، ويجعل الرأي العام يتعامل معهم كضحايا حملات تشويه مبالغ فيها ، وللأمانة ، فليس وحده الخرباوي الذي يخدم الإخوان بالمبالغات الفجة والتي يصعب استيعابها ، فقطاع غير قليل من الإعلاميين ـ محدودي الكفاءة والثقافة ـ الموالين للرئيس السيسي يفعلون الأمر نفسه في سياق موجات النفاق السياسي الضارة وسلبية النتائج .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف