الجمهورية
مصطفى عمارة
لبيك اللهم لبيك..
لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.. هذا النداء الذي يتردد الآن في جميع جنبات العالم ويطلقه المسلمون في بداية رحلة العمر وهم يتوجهون إلي الأراضي المقدسة ليؤدوا الركن الخامس والذين استطاعوا إليه سبيلا متجردين من كل شيء. الأهل والأحباب والأولاد والمال الكل ذاهب إلي الله طامعاً في رحمته ومغفرته وقبوله.
مع إشراقة صباح الغد يوم الثامن من ذي الحجة يتوجه جموع ضيوف الرحمن إلي "مني" تأسياً بسيدنا رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ جاءوا من كل فج عميق يلبون دعوته طامعين في رحمته ومغفرته ــ عز وجل ــ بعد أن تركوا الأهل والأحباب والأبناء وكل ما يملكون متجردين من كل مباهاة الدنيا وغرورها.
جاء الحجاج طائعين لله سبحانه وتعالي يؤدون نسك الركن الخامس.. يوم التروية الثامن من ذي الحجة أحد الأيام العشر الفاضلة التي أقسم بها المولي عز وجل.. ففي هذا اليوم يوم التروية هو يوم الاستعداد لأداء هذا النسك العظيم الذي يمثل علامة فريدة في حياة المسلمين فهو يعبر عن وحدتهم وتلاحمهم والمساواة بينهم لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوي والتقوي فقط.. الكل يرتدي زياً واحداً ويقف علي صعيد واحد.. صعيد عرفات في يوم الحج.. يوم المغفرة والمباهاة والعتق من النار.. الكل يتجه ضارعاً إلي الله متذللاً إليه أن يقبل منه ما تقدم وما تأخر.. الكل طامع في المغفرة والرحمة والعتق من النار.
ففي يوم عرفة يباهي الله سبحانه وتعالي بأهل عرفات أهل السماء فيقول: "انظروا إلي عبادي جاءوني شعثاً غبراً".. وفي قول آخر: "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة. ينزل الله تعالي إلي سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء" فيقول: "انظروا إلي عبادي. جاءوني شعثاً غبراً ضاجين. جاءوا من كل فج عميق. يرجون رحمتي. ولم يروا عقابي. فلم ير يوماً أكثر عتقاً من النار. من يوم عرفة".
وفي رواية عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ قال: وقف النبي ــ صلي الله عليه وسلم ــ بصعيد عرفات. وكادت الشمس أن تغرب. فقال: "يا بلال: أنصت إلي الناس".. فقام بلال قال: انصتوا إلي رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ فأنصت الناس.. فقال: "معاشر الناس. أتاني جبريل آنفاً فأقرأني من ربي السلام. وقال: إن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر. وضمن عنهم التبعات".. وهنا قام عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ فقال: يا رسول الله هذا لنا خاص. فقال ــ صلي الله عليه وسلم ــ: "هذا لكم ولمن أتي بعدكم إلي يوم القيامة".. فقال عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ: "كثر خير الله وطاب".
يوم عرفة فضله كبير فهو ركن الحج العظيم فقال النبي ــ صلي الله عليه وسلم ــ: "الحج عرفة".. وكلنا نعلم ونعرف أنه من علي صعيد هذا المكان الطيب الطاهر وقف الرسول ــ صلي الله عليه وسلم ــ مخاطباً الأمة الإسلامية في خطبته.. خطبة الوداع التي تمثل ميثاقاً عظيماً علي مر الأزمنة لأنها تتضمن كل القيم والمثل التي يجب أن يسير عليها العالم كله.. ففيها أكد علي حقوق الإنسان منذ أكثر من 1400 عام وحقوق المرأة وأوصي بالاهتمام بها في وقت الآن نجد ما يحدث من انتهاك لحقوق الإنسان في بورما وفلسطين وبعض مناطق ودول العالم.. وأيضاً معاناة المرأة وأعتقد لا أحد ينسي معاناة نساء البوسنة والهرسك علي مسمع ومرأي من العالم.
خطبة الوداع حدد فيها الرسول ــ صلي الله عليه وسلم ــ المنهج الصحيح لحياة الأمة الإسلامية من قيم ومباديء لو تمسكوا بها وحرصوا علي العمل بها لدانت لها الدنيا وحققوا الكثير من النمو والتقدم والعز والفخر والنجاح.
نسأل الله ــ عز وجل ــ أن يحفظ حجاج بيت الله الحرام وأن يعودوا إلي أهاليهم سالمين غانمين إن شاء الله.. وأن يقبل الله حجهم.. وأن يغفر لهم.. وأن يعودوا إلي أوطانهم كيوم ولدتهم أمهاتهم.
***
* الحج تواصل بين الناس وتبادل للمنافع. ومكة المكرمة والمدينة المنورة معولمة. يأتيها الناس من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم.
* التواصل في موسم الحج يوجب أن يكون للمسلمين مشروع حضاري للتأثير علي العالم وتقديم صورة ناصعة عن الإسلام.
* الحج يجب أن يلهمنا نحن المسلمين الشعور بالروح الفاعلة والإيجابية المؤثرة.
* الحج فرصة للبرامج والمشاريع المدروسة للفرد والأسرة والشركة والمجموعة ولأهل مكة والمدينة المنورة ولغيرهم علي أن تتحقق فيها الأمانة واجتناب الغش.
* مكة المكرمة بلد حرام بالإجماع "بواد غير ذي زرع" وفيها معني الاعجاز الرباني وتاريخها يشهد لها بغلبة الأمن والاستقرار.
* الحج المبرور هو الحج المقبول ولا يعلم عن القبول إلا الله سبحانه وتعالي.. ولكن الحاج يجتهد في إتباع السُنَّة وعليه إصلاح النية لوجه الله تعالي لا للرياء والسمعة والمفاخرة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف