من أسوأ ما أفرزته لنا الفترة من يناير 2011 إلى 30 يونيو 2013 وحتى الآن.. كثرة الخبراء.. وكثرة الجنرالات.. وهكذا وجدنا الخبير العسكرى، والخبير الاستراتيجى، والخبير الزراعى، والخبير الإعلامى، والخبير المالى، أو الاقتصادى.. والخبير «البورصجى» والخبير الأمنى وطابوراً طويلاً من هذه المسميات. بل كثيراً ما نجد نفس الشخص يتحدث فى وسيلة إعلامية كخبير عسكرى.. ونجده فى نفس المساء يتحدث فى وسيلة أخرى كخبير اقتصادى.. وفى قناة أخرى كمؤرخ!! والشخص واحد.
وقد يكون كل هذا مقبولاً فى عصر اختفى فيه العلماء ورجال العلم والخبرة الحقيقية، ولكن الطريف ما وجدناه فى الأيام الأخيرة إذ يخرج علينا البعض ليدلى برأيه فى قضية النظافة، يعنى الزبالة.. ووجدناه يقدم نفسه بصفته: خبير نظافة.. بينما هو لا يعدو كونه أحد «معلمى» أو جامعى القمامة القدامى.. وربما «تلبس» هذا الثوب بعد أن خلع الجلباب البلدى.. وارتدى البدلة.. وهنا نتذكر الفيلم الرائع «انتبهوا أيها السادة» الذى قدمه لنا الرائعان محمود ياسين وحسين فهمى.. الأول بدأ حياته زبالاً على عربة كارو يجرها حمار ثم سرعان ما خلع الجلباب «لزوم المهنة» وارتدى بدلة كاروهات وقميصاً ملوناً بألوان فاقعة.. بينما «الدكتور» حسين فهمى، أستاذ الجامعة، ترك قاعات المحاضرات.. وركب عربة جمع القمامة.. ويمر بعربته هذه أمام تمثال نهضة مصر.. وعلى البعد تظهر قبة جامعة القاهرة التى هى الجامعة الأم لكل جامعات مصر والدول العربية والأفريقية!!
وهذه الفوضى فى المسميات تجعلنا نتساءل: هل يكفى أن يقرأ الشخص عدة كتب فى التاريخ والتراجم لكى يطلق على نفسه كلمة مؤرخ؟! أم هو سواء بسواء بجنرالات المقاهى الذين يفتون فى أدق تفاصيل المعارك العسكرية المحلية والإقليمية.. وما أكثر هذه المعارك التى تجرى حولنا من ليبيا غرباً إلى سوريا شمالاً.. وإلى اليمن جنوباً، والطريف أن نجد منهم من يدلى برأيه فى الصراع الدائر الآن بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.. تماماً كما نجد من يطلق على نفسه صفة الخبير البترولى، بينما هو لا يعرف الفرق بين منظمة أوبك ومنظمة أوابك.. وأهو كله.. بترول!! ورحم الله عصراً كنا نتندر ونصف من لا يعلم ونقول «اللى مايعرفش.. يقول عدس!» رغم أن العدس الآن نستورده من تركيا وأستراليا وكندا وأمريكا الجنوبية.. وعفواً أيها العدس الضرورى شتاءً والضرورى أيضاً مع جبته فى طبق الكشرى.. ويا سلام على حلة الأرز بالعدس الأصفر الإسكندرانى رغم أنه أكثر شهرة فى دمياط وبورسعيد ومدن بحيرة المنزلة!!
■ ■ وإذا كنا نحمّل أجهزة الإعلام مسؤولية شيوع هذه المسميات والألقاب إلا أننى أرى ضرورة الحد منها.. تماما مع انتشار مسمى «الكاتب الصحفى» الذى يطلق الآن حتى على شباب الصحفيين، وهنا أتذكر أن جيلنا لم يكن يُسمح له إلا بمسمى «الصحفى» فقط.. أو المحرر، حتى إن رئيس التحرير زمان كان يطلق عليه صفة أو اسم محرر الصحيفة، أى رئيسها وكاتبها الأكبر. ولم يكن يُسمح لنا بكتابة المقال إلا بعد 20 أو 30 سنة من العمل الصحفى!!
■ ■ وكله كوم وتعبير الخبير الاقتصادى الذى شاع.. تماماً مثل أى ضابط شرطة أو جيش خرج أو أخرج إلى المعاش وهو برتبة رائد.. أو مقدم.. ولكنه يضع نفسه فى نفس موقع زملاء دفعته فيحمل - دون حق - رتبة اللواء!!
■ ■ ووالله قد نعتبر عبارة «خبير نظافة» أكثر واقعية من معظم هؤلاء الخبراء.. السابقين.. إيه رأيكم؟!