بالأمس، كانت ذكرى إعدام المرحوم سيد قطب. امتاز «قطب» بتركيبة نفسية خاصة، اختلطت فيها الحساسية الشديدة بالإحساس بالغبن، تلك الحساسية وذلك الإحساس تسببا فى تعميق حالة من «الغرور الذاتى» أدت به فى النهاية إلى منصة الإعدام. كان سيد قطب ناقداً موهوباً، وهو واحد من الذين نبهوا بشكل مبكر إلى موهبة نجيب محفوظ، كما كان واحداً من أبرز شرّاح المفكر الكبير عباس محمود العقاد. تقلب «قطب» على ظروف متنوعة على مدار رحلة عمره التى قاربت الأعوام الستين، عشق الأدب وحلم بأن يكون شاعراً أو روائياً، لكنه لم يوفق فى ذلك، سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فى بعثة أرسلته فيها وزارة المعارف، لكنه عاد منها لاعناً للغرب وحضارة الغرب، وواصفاً الولايات المتحدة بـ«الآلة الكبرى». قبل انضمامه إلى جماعة الإخوان قدم كتابات نقدية متميزة، كما ألف العديد من الكتب الإسلامية التى امتازت بجدة أفكارها، لعل أبرزها كتابه «العدالة الاجتماعية فى الإسلام». كان «قطب» واحداً من المقربين إلى الضباط الأحرار وجمال عبدالناصر خلال الأشهر الأولى لقيام ثورة يوليو، وعندما لم تمنحه الثورة ما يليق به -من وجهة نظره- سار فى طريق الإخوان، وتحول إلى واحد من منظّريهم، بل قل منظّرهم الأبرز.
حياة سيد قطب وكتاباته تشهد على إنسان كان لديه طموح جارف للزعامة والسيطرة، لكن قدراته النفسية والصحية لم تكن تؤهله لذلك، ناهيك عن الظروف التاريخية التى أحاطت بتجربته، ليظهر وسط مجموعة من العمالقة على كل المستويات الأدبية والفكرية والسياسية والإنسانية. الإنسان الذى يستبد به الغرور العقلى يصعب عليه السيطرة على الآخرين، لأنه يشعر باستمرار أنه أعلى منهم، والزعامة تعنى الذوبان فى المجموع، وليس الحكم عليه بالكفر والتجهيل والضلال. الإنسان الذى يرى أنه يمتلك الحقيقة المطلقة لا يتبعه إلا الشخصيات معطلة العقل، فاقدة القدرة على التفكير، ولو أنك حللت أعضاء تنظيم 1965 الذى أدين سيد قطب بتزعمه، فستجد أن أغلبهم كان من ذلك الصنف من البشر الذين يركنون إلى الكسل العقلى ويميلون إلى التسليم بأفكار تم تصنيعها فى معامل التعميم ومصانع الغبن الذى يورث فى النفس ضغائن للجميع.
سيد قطب كان موهوباً فى أشياء عديدة، لكنه ضل الطريق عندما صمم على أن يكون صاحب عرش، كان من الممكن أن يعارض جمال عبدالناصر كيفما شاء، ويرفض ثورة يوليو وحكم الضباط الأحرار، كما يحلو له. كان هناك آخرون من معاصريه يفعلون ذلك، لكنهم لم يحولوا نقمتهم على الواقع، ورفضهم له إلى أفكار ملغمة تقوم على تكفير الأغيار، وتجهيل المجتمع، وحشد آحاد أو عشرات من البشر يجمعهم تنظيم ليقف فى مواجهة دولة، فتكون النتيجة قتلهم أو إعدامهم على أعواد المشانق. كل عصر يحتشد بمغبونين كثر. الفارق الوحيد بينهم وبين سيد قطب أنهم تعاملوا مع أقدارهم بالإيمان، أو كما يقول المصريون: «قابلوا القضا بالرضا»، لكن «قطب» حول الإحساس الذى انتابه بالغبن -رغم أنه لم يكن مغبوناً بهذه الدرجة- إلى شرر يرميه على رؤوس من عاصره ومن أعقبه. فليرحم الله الجميع.