صلاح عطية
تونس ومصر .. من يحل لغز عودة السياحة
أبدأ هذا المقال بحديث عن تونس.. لصلته بما يحدث في مصر.. ودائمًا ما كان ما يحدث في مصر يجد صداه في تونس.. والعكس أيضًا.. ولا أقصد هنا ما سمي بالربيع العربي.. فذلك حديث آخر.. ولكن أعني كل مقاربة بشأن من شئون الحياة في مصر.. أو في تونس.. فالبلدان يتأثران ببعضهما بشكل لافت للنظر.. ولعله التاريخ القديم الذي جمع بين البلدين من الفاطميين وبناء القاهرة.. وربما أيضًا قبل ذلك بكثير في التاريخ الفرعوني في مصر.. وامتدادات الحضارة المصرية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.. وقد حدث في متحف بوردو في زيارة قديمة تماثيل فرعونية وجدت في تونس.. وأخري متأثرة بالطبع الفرعوني.. كما أننا لا ننسي السيرة الهلالية وامتداداتها بين مصر وتونس.. ولا ننسي أيضًا ما يوجد بين الجنوب التونسي وصعيد مصر من ارتباط قبلي أظهره الباحثون في كثير من أبحاثهم.. أما التاريخ الحديث قبل ما يسمي بالربيع العربي.. وقبل أن تحظي تونس باستقلالها فقد وقفت مصر إلي جانب تونس وساندتها.. وقد عاش الحبيب بورقيبة في القاهرة بعضًا من سنوات نضاله الأولي.
لا أريد أن أستطرد كثيرًا في هذا التقارب بل التمازج بين مصر وتونس.. ويكفي هنا الروابط الفنية والأدبية التي تربط بين البلدين والمزاج التونسي الذي يهيم حبا بفناني ومطربي مصر.. والانتشار الكثيف والطاغي للأغلبية المصرية في تونس.. وقد لمست هذا كله خلال عشرات الزيارات التي قمت بها لتونس ولن أتعرض هنا للقضية المثارة علي الساحة التونسية.. والتي انتقلت منها إلي الساحة المصرية والتي أشعلها ما أعلنه الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بمطالبته بمساواة المرأة بالرجل في الميراث.. وبالسماح للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم.. وهي قضية سرعان ما انتقلت إلي مصر.. ودخلت فيها أطراف كثيرة علي رأسها بطبيعة الحال الأزهر.. ولكن حسم هذه القضية في تونس متروك إلي فقهائها.. ومتروك أيضا إلي مؤسساتها الدستورية.
أكتب هذه المقدمة الطويلة - نوعا ما - لكي أنتقل إلي موضوع آخر مشترك بين مصر وتونس.. أو لنقل هم مشترك بين البلدين.. وهو الإرهاب الذي يتعرض له البلدان.. ومشاكله المشتركة خاصة الإرهاب العابر للحدود من ليبيا إلي مصر.. ومن ليبيا إلي تونس.. والعائدون والمتسللون من سوريا والعراق إلي مصر.. وإلي تونس.
وقد تعرضت تونس لكثير من حوادث الإرهاب.. وكذلك مصر.. التي تواجه حربا مع الإرهاب علي كل الجبهات..وعلي امتداد حدودها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.. وكذلك في الداخل.. وقد تعرضت تونس في السنتين الأخيرتين لحادثتين مباشرتين موجهتين إلي السياحة.. كما تعرضت مصر لحادث مباشر موجه إلي السياحة وهو إسقاط الطائرة الروسية فوق وسط سيناء.. وان كان التحقيق في الحادث لم ينته بعد إلي اثبات وجود المتفجرات فوق الطائرة.. وأيضا ان وجدت آثار متفجرات.. فمن أي نقطة في مسار الطائرة وضعت هذه المتفجرات.
حادثا تونس.. كان أولهما في متحف بوردو - الذي يقع ملاصقا لمبني البرلمان التونسي - باعتداء مسلح أودي بحياة عدد من السياح من جنسيات مختلفة والحادث الثاني كان علي نزلاء فندق في منطقة سوسة السياحية.. وأودي بحياة أكثر من ثلاثين سائحا.. كان من بينهم ثلاثون سائحا بريطانيا.. وقد تسلل الإرهابي مرتكب الحادث إلي شاطئ الفندق وأمطر السياح بالرصاص.. وقد كنت قبل هذا الحادث أدعو إلي الأخذ بالتجربة التونسية في عدم حرمان المواطنين من الشواطئ التي تغلق عليها الفنادق أبوابها.. بايجاد ممرات بين كل فندق وآخر تؤدي إلي الشاطئ لأي مواطن يريد أن يصل إليه.. ولكن هذا ما استغله مرتكب الحادث.. بعد هذا الحادث لم يبق هناك أي مجال لتطبيق هذه التجربة.. بل الأفضلية والأسبقية للأمن.. ولإحكام الأمن.. ولا شيء يعلو علي الأمن.
ماذا جري بعد الحادثين.. خاصة الحادثة الثانية التي راح ضحيتها ثلاثون بريطانيا..؟ وبعد سقوط الطائرة الروسية التي لم يكن فيها بريطاني واحد؟ كل ما جري معروف.. ولكن دعونا نشر إلي بعض النقاط.. سارعت بريطانيا بمنع رعاياها من السفر إلي تونس.. أما في حالة الطائرة الروسية.. فكانت بريطانيا هي التي قادت منع السفر إلي شرم الشيخ.. وتبعتها روسيا التي كان كل الضحايا منها.
الصدمة جعلت تونس تقوم بحملة دعائية بعد الحادث مباشرة في لندن وغيرها تدعو الانجليز إلي الاستمرار في زيارة تونس.. وألا يكافئوا الإرهاب بتحقيق أهدافه والتوقف عن زيارة تونس.. طبعا الملايين التي أنفقت علي هذه الحملة راحت هدرا.. فلم يكن ممكنا الاستجابة إليه بعد الحادث مباشرة.. مصر آثرت الانتظار.. وأوقفت حملات الدعاية وطال الايقاف أكثر من عام بلا مبرر.. خلال هذه الفترة نشطت تونس في كل اتجاه.. فاستقطبت السياحة الروسية التي امتنعت عن الحضور إلي مصر في عام 2016 زارها نحو ستمائة ألف سائح روسي.. يزورونها لأول مرة.. بدأ الروس يعرفون المقصد السياحي التونسي.. وأصبح هنا منافس جديد لمصر في سياحة الشواطئ.. وعلينا ان نبحث أسلوبًا للتعاون بين البلدين في هذا السوق.. مصر مضت تواجه مراوغات الجانبين الروسي والبريطاني.. وسارت في اتجاه إعادة الثقة إلي الأمن في مطاراتها وأنفقت عشرات الملايين من الدولارات علي تحسين الأمن.. واستقبلت عشرات من وفود التفتيش علي هذه المطارات من الروس والإنجليز.. ومازال الموقف كما هو.. مراوغات مستمرة من الروس.. وصمت بريطاني علي كل طلب بعودة السياحة البريطانية إلي شرم الشيخ.. حتي لو وصلت المطالبة إلي البرلمان البريطاني.. ثم فجأة تعلن بريطانيا رفع الحظر عن سفر مواطنيها إلي تونس.. التي مات لهم فيها 30 سائحا.. وتبقيه علي مصر التي لم يمت لهم فيها أي سائح.
طبعا ستتردد هنا عبارات من التآمر البريطاني.. واحتضان بريطانيا لجماعة الإخوان الإرهابية.. وهذا كله وارد.. ولكن يبقي السؤال إلي متي ستستمر روسيا في حجب سياحها عن مصر.. وإلي متي أيضا سيتم الحظر البريطاني علي شرم الشيخ؟.. بريطانيا هنا فأمرها واضح.. ولكن ماذا عن روسيا؟.. واضح ان الموضوع في روسيا ليس موضوع سياحة.. وليس موضوع أمن.. وإنما هناك شيء غريب يحدث.. وقد زرت روسيا مرتين بعد سقوط الطائرة الروسية.. وكانت اجابة كل مسئول التقيته عن سؤال عن عودة السياحة الروسية.. ان العودة مسألة خارج نطاق اختصاصهم.. وأن الأمر يعود إلي قيادتي البلدين.
تونس زارها وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط ودعا في مؤتمر صحفي سياح بلده لزيارة تونس.. نفس الرجل كتب مقالاً في صحيفة مصرية يتحدث عن علاقة بلده بجماعة الإرهاب ويبرر عدم حجبها رغم صدور تقرير يدينها ويدين فكرها.. ولكن أيضا لا يتعرض لحديث الساعة وهو رفع الحظر عن زيارة شرم الشيخ.
هل في الأمر ألغاز؟.. نعم هناك ألغاز.. من الجانب البريطاني علي وجه التحديد.. الذي لم يكن له ناقة ولا جمل في حادثة شرم الشيخ.. ومع ذلك يبدأ الحصار ويصر عليه.. أما الجانب الروسي.. فهو يراوغ.. ولا يتعامل بنفس تعامله مع جارته تركيا.. التي يعيد إليها السياحة في اليوم الثاني لمقتل العشرات في حادث إرهابي في مطار اسطنبول.. وبعد شهر من حادث مماثل في مطار صبيحة.. المطار الثاني في اسطنبول.. من يحل اللغز..؟
..هذا ما ننتظره.. وربما يأتي الحل في لقاء قريب بين الرئيسين السيسي وبوتين.. ربما..!!