المصريون
د . جمال المنشاوى
الفساد في مصر..السمكة تفسد من رأسها !
في الثمانينات وبعد مقتل السادات, فجر النظام الجديد بزعامة مبارك قضية فساد كبري, كان علي رأسها عصمت السادات شقيق زعيم مصر المغدور أنور, وأطلقوا عليه ألفاظاً وألقاباً كثيرة هو وشريكه رجل الأعمال وتاجر الخشب السكندري, واتهموهم بكل الاتهامات المُشينة, وأنشأوا لهم جهاز خاص للمحاكمة, ودخل عصمت السادات السجن, والتقي بأفراد من الجماعات الإسلامية, وقال لهم بالحرف الواحد (يا ولاد أنتم بتضيعوا عمركم في السجن عشان كلمة أو خطبة, لكن تعالوا اسرقوا ملايين مش حتتسجنوا زي ما بتتسجنوا دلوقتي), وفعلاً تشكلت محكمة خاصة لعصمت الذي اتهموه بالتربح وسرقة الملايين واستغلال النفوذ, وحكمت عليه المحكمة بالحبس سنه فقط, وخرج بعدها معززاُ مكرماُ, وتحققت نظرته للأمور, وطُبقت مقولته تماماُ في محاكمات مبارك وأركان نظامه المتهمين بالسرقة والتربح واستغلال النفوذ, بدءاً من مبارك نفسه وولديه وانتهاءا بوزير داخليته حبيب العادلي (الذي اختفي بفعل فاعل وبطريقة مدهشة مضحكة ومبكية رغم وجوده تحت الإقامة الجبرية في كوميديا تقشعر لها الأبدان وترتجف لها القلوب حزناً وكمداً علي بلد يداس فيها القانون بالأقدام, ويختلط فيها الجد بالهزل, وينسحق فيها الفقير والمعدم ومن لا ظهر له, ويتمتع فيها المسئول ولو كان فاسداً بالحماية والتستر), ومرورا بالسادة المتنفذين أحمد عز ورشيد وبطرس غالي وسرور وصفوت الشريف وحسين سالم وجرانه والمغربي وغيرهم من أساطين النظام الذين تمتعوا ببراءات غير مسبوقة لأن القضاء يحاكمهم بأدلتهم ومستنداتهم التي قدموها هم وأعوانهم, فأصبح القاضي لا حول له ولا قوة فهو يحكم بما أمامه من أوراق وليس بما تتداوله الصحف والمواقع الإلكترونية, وكان من المهازل التي ذٌكرت أنه تم تقديم أحد الأحراز التي تدين العادلي عبارة عن اسطوانة بها مكالمات له تدينه, وعندما أرادت المحكمة سماعها والتأكد منها وجدت عليها أغنية (العنب العنب العنب) لمطرب الأفراح سعد الصغير, هذه المقدمة الطويلة نسبياً بمناسبة ما تناقلته الأنباء عن القبض علي المسئولة الثانية بمحافظة الإسكندرية بتهمة الرشوة, وبعيداً عن صدق الاتهام من كذبه, وجديته من هزليته, وهل هو من باب (شايفين العصفورة), أو من باب الجدية في ضرب الفساد, تبقي الحقيقة الواضحة للعيان والثابتة بالبرهان أن ضرب الفساد وبؤره في مصر ليس أولوية, بل هو عمليه منتقاة للفت الأنظار أو تحويلها بعيداُ عما يعانيه الناس ويتكلموا فيه ويكابدونه, لأن الفساد بمراحله المعروفة موجود بصورة مثالية في مصر, بداية من اختيار المسئول الذي تحوم حوله الشبهات أو المتهم فعلا وسابقا بالفساد والتربح وبالمستندات ومع هذا يصرون علي تعيينه ولعل هذا واضح في اختيار الوزير الذي قدم عنه الإبراشي عده حلقات بالأدلة علي فساده بعد اختياره للوزارة ومع هذا أصروا عليه!, ثم السكوت علي المسئول الفاسد بعد تعيينه حتى يتصرف بطريقة لا ترضي أولي الأمر وهنا يتم إخراج ملفه وتجريسه كما تم مع وزير الزراعة السابق !, ثم إصدار قانون للتصالح مع الفاسدين والناهبين لثروات البلاد بما يحمل لهم ولغيرهم من التشجيع علي الفساد والسرقة والنهب والسلب وتشغيل الأموال الحرام ثم التصالح علي أصل رأس المال الذي يساوي وقتها عشر ما سرقوه , ولنضرب مثالاً علي ذلك, لو أن مسئولا سرق مليون جنيه من 3 سنوات قام بتشغيلها للآن, فستكسب علي الأقل مثلها, وأراد الآن أن يتصالح فهذا المليون يساوي ثلث مليون بالأسعار الحالية علاوة علي احتفاظه بالمكسب, وهذا ما شجع لصوص نظام مبارك علي طلب التصالح والعجيب أن الدولة ترحب وتتفاوض معهم بدلاُ من التحفظ ومصادرة تلك الأموال ورد أموال الشعب وسجنهم ليكونوا عبرة لغيرهم أو من يأتي بعدهم, وهذا ما شجع موظفة سارقة لمبلغ 330 مليون جنيه أن تطلب التصالح وقامت برد مبلغ 27 مليون ... يا بلاش , الأدهي والأمر أن الرجل الذي تكلم عن حجم الفساد تم عزله ومحاكمته وهو المسئول عن هذا الملف بحكم منصبه في الجهاز المركزي للمحاسبات وهو المستشار هشام جنينه ! إن ضرب الفساد في مصر باعتباره الخطر الأول علي مستقبل البلاد, والمستنزف الأساسي لثروتها وهي تعاني من الديون والفقر, لابد أن يكون بجدية وبلا هوادة, وليس بالأهواء بل وفق خطة قومية قوية وجادة لإقتلاعه من جذوره, وبضرب الرءوس الكبيرة دون مجاملات أو اعتبارات خاصة, وقتها ستستعيد البلاد ثروتها, وتسدد ديونها, وتنعش خزينتها, وترفع العناء عن شعبها, ولنتذكر دوماُ أن السمكة تفسد من رأسها.
د. جمال المنشاوي
كاتب مصري
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف