عبد المنعم المشاط
علاج هشاشة الدولة العربية
يدعو المشهد العربى اليوم إلى الأسي، فقد فشلت خمس دول عربية؛ الصومال واليمن والعراق وسوريا وليبيا، وتم اختراق أربع أخري؛ چيبوتي، وقطر، ولبنان، والسودان، وانقسمت واحدة (السودان)، وهناك أربع مرشحات للتقسيم؛ سوريا، وليبيا، واليمن، والعراق، وواحدة (فلسطين) تتصارع فيها حكومتان على السلطة؛ إحداها وطنية والأخرى ذراع من أذرع التنظيم الإخوانى الإرهابي؛ السلطة الوطنية الفلسطينية وحماس على التوالي، وواحدة يناطحها حزب السلطة ويشاطرها السيطرة (لبنان وحزب الله)، وواحدة متورطة فى دعم ومساندة وتمويل الإرهاب (قطر)؛ فأى عالم عربى هذا وأى دولة عربية تلك فى القرن الحادى والعشرين.
وبالنظر إلى مقياس الدول الهشة، تحتل الدول العربية كافة مستويات متدنية بالنظر إلى درجة الصلابة والقوة، يحدث هذا فى الوقت الذى تسعى فيه إسرائيل، بعد أن استقرت قواعدها، إلى بناء إسرائيل الكبري، كما ورد التنويه عنها فى «استراتيچية إسرائيل فى الثمانينيات»، والتى صاغها أوديد يانون، وفى الوقت الذى تصر فيه إيران على الدخول فى العصر النووي، وتحاول فيه تركيا توثيق التحالف الاستراتيچى مع إسرائيل وإعادة توجيه بوصلتها الاستراتيچية إلى روسيا.
الواقع أن هناك آليات متنوعة خارجية وداخلية أدت بالوطن العربى إلى الهبوط فى مستنقع الهشاشة ومن ثم؛ الفشل، وحولته من نظام إقليمى مهم إلى كيانات سياسية مبعثرة ومتصارعة ومنغلقة سياسيًا واجتماعيًا وتقنيًا، وإن كانت مجبرة على الاندماج اقتصاديًا فى الاقتصاد الدولي؛ فمما لا شك فيه أن التدخل العسكرى الأجنبى المباشر أودى بعدد من الدول العربية (العراق، ليبيا، سوريا، اليمن)، كما أن التدخل غير المباشر لتسليح الميليشيات العسكرية المعادية للدولة ووحدتها أضاف إلى عوامل الهدم (سوريا)، وهناك كذلك التمويل ورعاية وتدريب وتسليح المنظمات الإرهابية ضد سلامة الدولة، وهذه واضحة فى الحالة المصرية والحالة الليبية، إذ تتولى قطر وتركيا وإيران وغيرها دعم المنظمات الإرهابية الموالية لها مذهبيًا وسياسيًا.
يضاف إلى ذلك محاولة إثارة الفتنة الدينية أو المذهبية أو حتى العقائدية بين المسلمين وغير المسلمين وداخل الجماعة الإسلامية بين الشيعة والسنة، وهناك كذلك الحصار الضمني؛ كالتحذيرات المتكررة من جانب دول بعينها بعدم زيارة مصر خشية غياب السلامة والأمان، على الرغم من تأكد هذه الدول من أن إجراءات السلامة التى تم اتخاذها لا تقل عن أى مستوى دولى معترف به، كما يمكن أن نضيف أيضًا الدرس الذى اكتسبته الولايات المتحدة من إفشال الاتحاد السوفيتى، والذى يتعلق بتوظيف القوة الناعمة بشكل غير مرئي، ولكنه حثيث فى هدم مقومات الدولة، والأكثر حداثة الآن هو توظيف تكنولوچيا المعلومات والاتصال واتجاه المواطن والمجتمع إلى الكونية، بينما تنغمس الحكومات والمؤسسات فى المحلية المنغلقة، ولا شك أن ضعف البنيان الداخلى للدولة العربية يؤدى أيضًا إلى الإسهام فى زيادة هشاشتها وتعرضها للخطر؛ فمن ناحية لا تقوم المؤسسات التى أنشأتها الدولة العربية بوظائفها المقررة دستوريًا أو حتى عرفيًا.
فقد صارت مؤسسات شكلية لا أكثر، مما يؤدى إلى انصراف المواطن الكونى عن هذه الشكليات السياسية، وفوق ذلك؛ فقد غابت اعتبارات النزاهة والشفافية والانفتاح وحرية تداول المعلومات عن النظام الاجتماعى والاقتصادى والسياسى العربى وتعمقت بدلاً منها آليات الفساد والإهمال الجسيم، وهكذا؛ فبدلاً من تثبيت أركان الدولة بتفعيل مؤسساتها وقيامها بأدوارها المحددة لها، لجأ المواطنون إلى الاستعانة بمؤسسات موازية لقضاء حوائجهم والانتهاء من معاملاتهم.
ويدور السؤال الأهم حول آليات ومراحل علاج هشاشة الدولة العربية وتثبيت أركانها فى مرحلة تاريخية تكاد تعصف، ليس فقط بالدولة العربية، وإنما أيضًا بالأمة العربية، وتصب كل هذه الآليات والمراحل فى حتمية التحول السريع فى فلسفة وثقافة الدولة العربية من المحلية إلى الكونية؛ فمن ناحية، يتحتم على الدول العربية بناء المؤسسات السياسية الفاعلة، والتى تتولى تقديم وظائف الدولة كما تحددت فى العقد غير المكتوب بين المواطن والدولة، إن قيام هذه المؤسسات بالوظائف المنوطة بها يكرس الولاء والانتماء للدولة، ومن ناحية أخري، لابد أن توجد حملة فكرية وثقافية وإعلامية تعلى من قيمة الوطن وحيويته بالنسبة للمواطن ومختلف الجماعات الداخلية.
هناك دول عديدة تعتمد على المجتمع المدنى ومؤسساته كبديل لمؤسسات الدولة الرسمية فى حالة وجود أزمات دولية؛ فبالرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران، وحينما تعرضت إيران لزلزال مدمر فى العقد الأول من هذا القرن، قامت منظمات الإغاثة الأمريكية وعدد من المنظمات غير الحكومية بتقديم مساعدات متعددة، بما فيها زيارة موقع الزلزال. يضاف إلى ذلك أنه ينبغى على الدول العربية إعادة توجيه السياسات العامة لتوسيع وتمكين الطبقة المتوسطة لأنها أساس الاستقرار والتقدم، وهى التى تمسك بقوة بتلابيب الدولة، وتصر على الحفاظ عليها؛ فهى طبقة المهنيين والمتعلمين والطبقة التى يرنو أعضاؤها إلى المستقبل، ومن ثم؛ لها مصلحة أصيلة فى تثبيت أركان الدولة، وفى إطار تطبيب الدولة العربية ومداواتها وزيادة مناعتها، لابد من بناء قوات مسلحة عصرية وحديثة تلعب دور الحماية من ناحية، والتنمية من ناحية أخري.
ولا يمكن فى هذا المجال إغفال الدور المحورى الذى تقوم به شبكة الطرق والكبارى فى ربط أوصال الدول العربية، ولا شك فى أن إحدى نقاط الضعف الرئيسية فى النظام الإقليمى العربى منذ نشأته عام 1945 تتمثل فى إغفال بناء مثل هذه الشبكة التى كان يمكن أن تلغى المسافة الجغرافية وتربط العناصر الديموغرافية العربية، والوقت ليس متأخرًا فى هذا الشأن، إذ ينبغى توجيه جزء من موارد الدولة العربية لإنشاء هذه البنية التحتية التكاملية للدولة العربية، وأخيرًا؛ فإنه لا يمكن إبراء الدولة العربية من هذا المرض العضال الذى يكاد يفتك بها ويصيبها بالشلل التام دون الحماية الجماعية للأمن القومى العربى بدءًا من تحديد مصادر التهديد الرئيسية، إلى وضع استراتيچيات مشتركة قوامها الحفاظ على الدولة العربية وسلامة ومكانة الأمة العربية والإعلاء من الهوية القومية على ما عاداها، ولن نمل من تكرار حتمية تفعيل معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى بين الدول العربية كأداة لا غنى عنها فى رفع قواعد الدولة العربية.