جريدة روزاليوسف
فادى عيد
عودة ميرال أكشنر
جاءت بداية ظهورها على الساحة التركية عندما تولت منصب وزيرة الداخلية ببلادها عام 1996م فى عهد الرئيس التاسع للجمهورية التركية سليمان دميرال، وبعدها اتخذت قرارًا بالدخول للحياة الحزبية، فكان مشوارها الأول خلال تأسيس حزب العدالة والتنمية، وعندما وجدت صاحبة الفكر القومى اليمينى أن حزب العدالة والتنمية امتداد للأحزاب الإسلامية السابقة التى كانت تغلق بعد كل انقلاب عسكرى، قررت تغيير بوصلتها والتوجه نحو حزب الحركة القومية، وبعد مسيرة طويلة من العمل داخل أروقة الحزب القومى، أعلن خليل أوزتورك رئيس اللجنة التأديبية المركزية بشهر سبتمبر 2016 طردها من الحزب الموالى لأردوغان، بعد أن كانت أحد أهم وأبرز مرشحى رئاسة الحزب الذى يجلس على كرسى رئاسته دولت بهتشلى الذى يؤدى دور المعارض للحزب الحاكم وليس أكثر، ففى حقيقة الأمر «حزب الحركة القومية» لم يكن إلا جوادًا يمتطيه أردوغان كلما أراد تمرير قوانين أو سن تشريعات تزيد من الحصار على المعارضة الحقيقية له، وبأبريل الماضى قادت حملة شرسة ضد تعديلات أردوغان الدستورية، وببداية يوليو الماضى أعلنت تأييدها لـ«مسير العدالة» التى قادها زعيم حزب الشعب الجمهورى كمال كليجدار أوغلو، أنها المرأة التى رفضت علنا الانضمام لحريم السلطان، وتمردت على صبى السلطان سياسيا والعجوز عمريا دولت بهتشلى، وحاولت الإطاحة به وتولى رئاسة الحزب بدلا منه، وقبل عقدها لمؤتمر ضخم للإطاحة ببهتشلى جاءت قوات الشرطة وطوقت الفندق الذى يقام فيه المؤتمر، قبل أن يتم الاعتداء بالضرب على الحضور، وعندما اشتد الخناق على بهتشلى بسبب تحرك أكشنر، تدخل أردوغان لإنقاذ صديقه بإصدار إحدى المحاكم حكما يمنع إقامة أى مؤتمر للمنشقين داخل حزب الحركة القومية.
أنها ميرال أكشنر المرأة القومية صاحبة الستين عامًا، والتى يناديها البعض بـ اسينا (المرأة الأسطورة المستئذبة)، وحاول أردوغان مرارا التخلص منها بعد محاولة انقلاب يوليو الفاشلة، ولكن كان كمال كليجدار أوغلو هو من يطير كل أسماء المعارضة من رأس أردوغان ويشغل باله أغلب الأوقات، خاصة بعد أن جاءت لأردوغان معلومات تفيد بوجود اتصالات سرية بين كليجدار وبرلين (العدو الأول لأردوغان).
وبعد عودة أكشنر من جديد للحياة السياسية التركية منذ أن تم فصلها من حزب الحركة القومية، والتى يوما ما بالماضى طمحت أن تكون على كرسى رئاسة الوزراء، واليوم تعلن نيتها فى الترشح على كرسى الرئاسة 2019، بعد أن استقال ما يقرب من 550 عضوًا من حزب الحركة القومية منضمين للكيان الحزبى الجديد الذى تسعى ميرال لتأسيسه، وربما يكون اسمه «الحزب الديمقراطى» أو «الحزب الديمقراطى المركزى»، يطرح السؤال نفسه، كيف سيكون المشهد بعد عودة ميرال أكشنر للحياة السياسية من جديد فى ظل قبض أردوغان على جميع مناحى الحياة السياسية بيد من حديد، أو بالأدق بيد من الاعتقالات، ويد أخرى من التصفية (سواء الجسدية أو المعنوية)، بالتزامن مع رغبة أردوغان فى التوجه قريبا لزيارة طهران، التى تجمعهم أزمة قطر، والأمر الأهم مشروع الحرس الثورى الأردوغانى (على غرار نظيره الإيرانى) والذى تم تشكيله والانتهاء من إعداده بأكثر من مسمى، وعلى يد أكثر من مؤسسة، والمتواجد بأكثر من ولاية تركية، كل هذا بجانب الكتائب التى تم إعدادها أخيرًا على يد العميد متقاعد عدنان تانرى مؤسس شركة «سادات» الأمنية والذى عين مؤخرًا كبير مستشارى أردوغان، هذا بخلاف المجموعات التى انضمت للنصرة وداعش فى سوريا على يد الشيخ نور الدين يلدز (أحد المقربين من أردوغان) والذى صرح يوما بأن عداءنا وأزمتنا مع السعودية أكبر بكثير من أزمتنا مع إسرائيل، أيضا بجانب كتائب الإرهابى جانبولاط الذى سعى لاغتيال البابا بنديكت السادس عشر أثناء زيارته لتركيا عام 2006م، وكل تلك التنظيمات التى تم صناعتها خلال العام الأخير فقط تكون نواة للحرس الثورى الأردوغانى، برفقة العديد من التنظيمات المسلحة التى تدار من خلال جنرالات متقاعدة وشيوخ متطرفة وزعماء مافيا.
هل ستحدث ميرال أكشنر الفارق والجديد بالحياة السياسة التركية؟ أم سيكون مصيرها بالزنزانة المجاورة لزنزانة رئيس حزب الشعوب الديمقراطى اليسارى الكردى صلاح الدين ديمرتاش، ديمرتاش المعتقل بسجن أدرنة غرب تركيا منذ 3 نوفمبر الماضى، والذى يستعد لإصدار كتابه بشهر سبتمبر المقبل وهو داخل السجن ويحكى فيه تجربته المريرة بالشهور التى قضاها بسجن أدرنة.
هل ستكون الخطوة الأولى أمام ميرال أكشنر هى الانتقام من دولت بهتشلى الذى طردها من الحزب بالعام الماضى، أم ستضع انتخابات الرئاسة المقرر لها عام 2019 كهدف أول وأخير.
والأهم كيف سيتعامل أردوغان مع الأمر؟ حتى وإن كانت أكشنر لا تملك أنيابًا ومخالب حقيقية، كيف سيتعامل أردوغان مع المشهد الجديد؟
أردوغان الذى أطاح بقائد القوات الخاصة ذكائى أقسقالى (أحد المقربين لأردوغان) كونه اعترض على استمرار تدفق القوات التركية خارج البلاد، أردوغان الذى فى لحظة من الزمن أعلن ضم جهاز الاستخبارات التركية لسلطة مؤسسة الرئاسة، أردوغان الذى أعتقل فى ظرف عام واحد فقط أكثر من ثلث قيادات الجيش التركى، أردوغان الذى أفرغ جميع المؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية والمالية والتعليمية من أى شخص قد لا يكون منتميًا لحزب العدالة والتنمية، أردوغان الذى وجه كلامه لزعيم حزب الشعب الجمهورى كليجدار أوغلو عندما اعترض الأخير على الوضع المتردى لتركيا ديمقراطيا، قائلاً له: «عليك أن ترضخ كالحمل»، أردوغان الذى يقوم بتهيئة وضع الدولة التركية الداخلى للترشح لرئاستها مجددا بعد عامين، بعد أن يكون لا أحد فى تركيا سوى أتباع أردوغان.
فربما الأيام المقبلة تجيب على أسئلتنا، أو قد يسبق العارف بأمر الله دوغو برينتشاك كعادته الأيام ويقول لنا ما سيحدث بالغد، أو ربما بانتخابات الرئاسة المقرر لها بعد عامين، أو يطلعنا عبدالقادر سلفى (قلم هاكان فيدان فى الصحافة) عن بطولة جديدة متناقضة لمدير الاستخبارات التركية أثناء وقت الانقلاب، كى تعزز رسائل هاكان فيدان للرأى العام.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف