التحرير
أشرف الصباغ
روسيا تقفز إلى الأزمة القطرية
اختتم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف زيارته إلى ثلاث دول خليجية (الكويت والإمارات وقطر) بمقاربات دبلوماسية تصب في العديد من الملفات الإقليمية والدولية. في الوقت الذي أعرب فيه لافروف عن قناعته بضرورة البحث عن حل للأزمة القطرية على أساس مقاربات مقبولة للجميع، مع التخلي عن الخطاب العدائي الهدام، وتأكيده بالقول: "نحن لا نتولى مهمات الوساطة، فهناك الوساطة الكويتية"، و"أن الطريق الأنسب هو تسوية الأزمة في إطار مجلس التعاون الخليجي"، إلا أنه قال أيضا "لقد أكدنا دعمنا لمهمة الوساطة التي يتولاها أمير الكويت. وسنكون مستعدين للمساهمة في رفد هذه الجهود، إذ اعتبرت الأطراف ذلك أمرا مفيدا". ما يعني أن موسكو فاقدة الأمل تماما في تلقي أي دعوة للوساطة، ولكنها ترفع من باب الاحتياط، بعض الشعارات الدبلوماسية المؤثرة على الرأي العام من جهة، والتي يمكنها أن تعطي انطباعات، ولو حتى إعلامية، بدور موسكو الخلاق في الأزمة القطرية. الوزير الروسي أشار إلى أن نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون قد عرض خدماته للوساطة، مؤكدا أن موسكو سترحب إذا تكللت الجهود الأمريكية بالنجاح. وفي الوقت نفسه قال "أما نحن، فلم نقترح أي أفكار تختلف عن مقترحات الكويت والولايات المتحدة، ولا نرى داعيا لذلك". وهو ما وصفه خبراء بأن موسكو تريد أن تبدو في شكل الحمل الوديع الذي لا ناقة له ولا بعير في هذه الأزمة، وأنها فقط تريد أن تمد يدها بكل خير إلى "أشقائها" العرب في منطقة الخليج. ولكن هذا التصريح بحد ذاته يكشف عن إمكانية انتقال صراعات جزئية بين روسيا والولايات المتحدة إلى منطقة الخليج. زيارة لافروف إلى ثلاث دول خليجية، لم تكن مقررة في السابق. بمعنى أن تطورات الأحداث هي التي أدت للقيام بهذه الزيارة. ولا شك أن المسؤولين في موسكو التقوا العديد من مسؤولي دول الأزمة القطرية، ووصلوا في نهاية المطاف إلى ضرورة القيام بزيارة عاجلة لاستطلاع الأمور عن قرب من جهة، ووضع أنفسهم تحت أمر الأطراف المختلفة من جهة أخرى، ولكن بصيغة دبلوماسية تكشف عن توخي موسكو الحذر في الدخول إلى منطقة شائكة ومغلقة أمامها. وبالمرة، تجميع بعض الأوراق التي يمكن استخدامها في ملفات أخرى، مثل صيغة أستانا أو تقديم خدمات لإيران وتركيا عبر هذه الأوراق لضمان استقرار العلاقات بين موسكو وكل من طهران وأنقرة ولو حتى مؤقتا. لقد توجه لافروف بهذه الزيارة لأهداف من بينها: - الترويج لصيغة "أستانا" المعنية بتسوية الأزمة السورية، ومن أجل ترسيخ انطباع بأن روسيا انتصرت في سوريا. وبالتالي يجب أن تشارك هذه الدول وغيرها في فعاليات المطالبة بتقنين ما يتم التوصل إليه في أستانا على المستوى الأممي.
- التأكيد على دور روسيا في الخليج مقابل الدور الأمريكي التقليدي والتاريخي، ذلك عبر محاولة اختراق للعلاقات الأمريكية – الخليجية من جهة، وللعلاقات الخليجية – الخليجية من جهة أخرى. - تكريس النجاحات الجزئية في سوريا لدعم نظام الأسد وجر واشنطن إلى صيغة أستانا. وكذلك جر بعض دول المنطقة إلى هذه الصيغة ولو حتى إعلاميا. وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف سيتوجه إلى السعودية والأردن في مطلع سبتمبر لمناقشة الأزمة القطرية. ولكن يبدو أن هذا هو الغطاء الإعلامي والدبلوماسي، لأن هذه الزيارة ستسبق انعقاد الجولة الجديدة من صيغة أستانا. ولا شك أن كل التصريحات الروسية خلال هاتين الزيارتين ستكون منصبّة على لقاء أستانا، ونجاحات روسيا والأسد، وضرورة العمل على إقامة المزيد من مناطق ما يسمى بـ "تخفيف التوتر". وليس من المستبعد أن تنتهي التصريحات إلى ضرورة حل الأزمتين القطرية والسورية وبقاء الأسد في السلطة من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، بينما يتم تقسيم سوريا إلى مناطق طائفية وعرقية، وتوسيع الحصص على أطراف ظاهرة وأخرى مخفية. في نهاية المطاف، تستهدف روسيا، على الأقل، من نشاطاتها الإعلامية والدبلوماسية هذه تحصيل أي مكاسب ممكنة. وليس مصادفة أن يستغل لافروف هذه الزيارة ليؤكد أن "موسكو والدوحة ترغبان في زيادة التعاون في مجال الطاقة والنفط". ويؤكد أيضا على أن حجم التبادل التجاري لا يتوافق مع الإمكانيات الحالية لكلا البلدين. وفي هذا الصدد، نعلق أهمية كبيرة على تنشيط عمل اللجنة الروسية - القطرية المشتركة المعنية بالتعاون التجاري والاقتصادي والتقني.. والتي اجتمعت هنا في الدوحة خلال أبريل من العام الجاري". وهو ما يعطي انطباعا مدهشا بأن العلاقات السياسية والاستراتيجية بين موسكو والدوحة قد وصلت إلى أعلى مستوياتها التاريخية منذ قرون. وذهب لافروف، بعد للقائه بأمير قطر إلى القول بأن "ممثلي السلطات القطرية أكدوا خلال المحادثات التزامهم بمواصلة تطوير التعاون بين البلدين في مجموعة من المجالات بما يتماشى مع الاتفاقات التي تم التوصل إليها، خلال زيارة الأمير تميم لروسيا في بداية هذا العام وخلال الاتصالات الهاتفية التي جرت بين الرئيس الروسي والأمير القطري". أي أن روسيا بدأت تطالب قطر بتنفيذ التزامات لم يسمع عنها أحد قبل ذلك.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف