الجمهورية
عبد العال الباقورى
في تدهور العربية.. والتعليم
في مثل هذه المناسبة الجليلة. كانت الدكتورة عائشة عبدالرحمن "بنت الشاطيء" تكتب: وحال الحول. وحلت الذكري. ثم تسترسل في حديثها عن معني وقفة عرفات ومناسبة الأضحي. خاصة باعتباره أكبر مؤتمر سنوي يعرفه العالم. وهي مناسبة عظيمة لم يعد المسلمون يستفيدون منها كما يجب.
واليوم وقفة عرفات وغداً الأضحي أعاده الله عليكم فراداً ووطناً وعلي المسلمين بكل خير. ولعل هذه المناسبة تعود علينا في العام المقبل. والمسلمون أقل انقساماً وأكثر توحداً. آمين يا رب العالمين.
وفي هذا اليوم. لا يجوز لكاتب أن يكتب ولا قلم أن يخط حرفاً يجرح معانيه ويخرج عن آدابه. ولعله من المناسب التطرق إلي قضايا تجمع ولا تفرق. توحد ولا تبدد. ومن ذلك. حديث متجدد عن أوضاع اللغة العربية. لغة القرآن الكريم. وعن التعليم وأحواله. ففي الثالث من أغسطس الذي نودعه اليوم. تناولت هذه الخواطر موضوع "اللغة العربية تطرق أبواب الجامعات". وأشارت إلي قرار المجلس الأعلي للجامعات بتعميم تدريس مقرر للغة العربية في جميع الكليات الجامعية. وجاء القرار بناء علي مقترح من نقابة علماء مصر "تحت التأسيس" ووقف وراءه الأستاذ الدكتور عبدالله سرور الأستاذ بآداب جامعة الإسكندرية. وقبل حوالي أسبوعين تقريباً وبعد أيام من قرار المجلس الأعلي للجامعات المشار إليه سابقاً. عقدت آداب الإسكندرية المؤتمر الدولي الأول لقسم اللغة العربية. وتحدث فيه الأستاذ الدكتور عصام الكردي رئيس الجامعة عن الأخطار التي تهدد العربية. وقال:
* اللغة العربية تواجه أخطاراً جسيمة. نواجهها في الأجيال الجديدة.
* إن كتابة الكلمات العربية بحروف صارت تمثل تهديداً للهوية المصرية والعربية. إذا لم نتصد لها بحزم وباسلوب علمي في التعليم والإعلام والثقافة.
ودعا الدكتور الكردي إلي أن نتكاتف "جميعاً" لحماية لغتنا القومية. وتأبي الإسكندرية ــ الجامعة والأساتذة إلا مواصلة الدفاع عن اللغة العربية. ففي اليوم التالي لنشر الصحف عن مؤتمر آداب الإسكندرية حول "اللغة العربية وقضايا التواصل في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات" وتحديداً في 19 أغسطس كتب الأستاذ الدكتور سليمان عبدالمنعم الأستاذ بحقوق الإسكندرية في "الأهرام" مقالاً بعنوان "مصر التي في الساحل الشمالي". وتناول فيه بعض مظاهر التراجع بل ازدراء اللغة العربية. ودلالات ذلك. وضرب مثلاً محدداً. إذ "فوجيء" بأن طريق الإسكندرية ــ مرسي مطروح قد اصطفت علي جانبيه أعداد هائلة من اللوحات الإعلانية الضخمة المكتوبة باللغة الإنجليزية ولا شيء سواها. وقال إن التساؤل الطبيعي هو: "كم تبلغ نسبة غير الناطقين بالعربية في هذه المنتجعات حتي تكتب مثل هذه اللوحات بلغة أجنبية؟".. معلوم أن نسبة الاشغال الأجنبي هزيلة إن لم تكن منعدمة في هذه المنطقة. وزاد الطين بلة ــ كما يقولون ــ أن اللوحات الإعلانية علي جانبي الطريق بما فيها أسماء القري والمناطق باللغة الإنجليزية وحدها. وذلك ــ كما يقول أو يقرر ــ دون أدني اكتراث قانوني أو احترام وطني أو اعتبار واقعي لكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد بحكم الدستور والقانون والتاريخ والحاضر. ويضيف الدكتور سليمان مع شعور بالمرارة المرة ــ إن صح التعبير ــ أن كتابة هذه اللوحات الإعلانية بلغة أجنبية تتجاوز طريق الساحل الشمالي لأن 90% إن لم يكن أكثر من القري والتجمعات السكانية الفاخرة التي نطالع الإعلان عنها في وسائل الاعلام تحمل أسماء أجنبية خالصة مع أن المخاطبين بها مصريون.. ثم هناك طوفان المحال التجارية بأسماء أجنبية. وهناك مؤسسات تعليمية علي الأراضي المصرية تحت تسميات شتي خاصة وأجنبية ودولية يدرس "بضم الياء وفتح الراء المشددة" فيها التاريخ ومواد تربوية أخري لطلاب مصريين بلغة أجنبية ولا تدرس فيها اللغة العربية. وهي مؤسسات يوحي نظامها القانوني بكونها دولية لجاليات أجنبية لكن طلابها مصريون في واقع الأمر. هذا خداع قانوني يغض الطرف عنه المسئولون عن التعليم. وما أكثر ما يغض المسئولون عن التعليم الطرف عنه في واقع التعليم الذي يحتاج إلي ثورة شاملة وليس إلي إصلاح أو ترقيع يستهدف التحسين الذي لا يلبث أن تذرو به الرياح. ولكن قبل أن تفرغ من هذا الحديث الطارئ عن أحوال بل أوحال اللغة العربية نقف قليلاً مع دلالات يستخلصها د.سليمان من المظاهر التي عددها والتي يري إما أنها شعور بالنقص الحضاري أو إنها ازدراء للغتنا القومية. كما أن ظاهرة ازدراء اللغة العربية تضرب في القلب أحد مقومات الظاهرة الوطنية التي لا نكف عن الحديث عنها.
ولعله لا يخفي علي الدكتور سليمان أن حال القاهرة الكبري وعاصمة الشرق ليس أفضل بأية درجة عن الإسكندرية وطرق تؤدي إليها ومنها. وإذا كان قد أشار إلي طريق الساحل الشمالي. فإن قلب القاهرة ممثلاً في كوبري أكتوبر الذي يمتد من شرق المدينة إلي غربها. تكاد لا توجد به لوحة إعلانية وحيدة باللغة العربية.
ومن المعروف أن هذه ليست أول صيحة تحذر من تدهور أو ازدراء اللغة العربية. فما أكثر ما كتب الأستاذ الشاعر الكبير فاروق جويدة في هذا الموضوع. وهناك كتاب وإعلاميون كثيرون يؤرقهم تدهور لغتنا القومية. حتي لو أخطأوا في أبسط قواعد النحو وهم يتحدثون بألسنة الدفاع!
أكثر من هذا. فإن الأستاذ الدكتور جلال أمين كتب مقالاً مهماً في هذا الموضوع وتضمنه كتابه: "ماذا حدث للمصريين" الصادر في يناير 1998. ولعله كتب هذا الفصل قبل هذا التاريخ. وعبر هذه السنوات ــ من 98 إلي 1917 ــ ازداد الأمر سوءاً. وذهبت سدي جهود الأستاذ الدكتور أحمد الجويلي وزير التموين الأسبق من أجل منع كتابة المحال التجارية بأسماء غير عربية. فهل يفكر وزير التموين الحالي في مثل هذه الخطوة. أفلح إن حاول. وأتمني له التوفيق. ولكل من يخطو خطوة أو يقول كلمة انتصاراً للغة العربية.
شجون جامعية
هذا ليس عنواني. إنه العنوان الهاديء الرزين الذي استخدمه الأستاذ الدكتور جابر عصفور لمقاله زي الحلقتين المنشورتين في ملحق أهرام الجمعة 28 و25 أغسطس. وباسلوبه الرصين عرض بعلمه وأستاذيته مشكلات وقضايا التعليم. وبدأ بواقعة جامعية ليشرح ويشرح "بتكسير الراء المشددة" معالم واقع التعليم الذي لا يرضي عدوا ولا صديقاً. وإثارة قضية "كارثة" التعليم ليست جديدة ولا طارئة. إنها تكاد تكون حديث كل يوم. وحديث كل المصريين أياً كانت علاقتهم بالتعليم. وقد أشار في بداية المقال إلي واقعة محددة. وأثارها بهدوء ودون تهويل. لأن الواقعة تتحدث عن نفسها دون حاجة إلي زيادة في تضخيمها.
كتب الدكتور جابر ما يلي حرفياً; "هاتفتني زميلتي الأستاذة الدكتورة لبني عبدالتواب يوسف. لكي تناقش معي النتيجة التي انتهي إليها طلاب وطالبات الماجستير في قسم اللغة العربية الذين قمت بالتدريس لهم مادة "مناهج البحث الأدبي" فقد كانت النتيجة صادمة لإدارة الكلية. فيما يبدو. إذ لم ينجح أحد في هذه المادة ونال الطلبة جميعاً درجات لا تؤهلهم للنجاح في هذه المادة".
وأضاف أن زميلته الفاضلة قالت إن هذه النتيجة أمر غير معتاد. وأني يجب أن أراجع التصحيح. ربما أصل إلي نتيجة مغايرة لمصلحة الطلاب". إذ كان يبدو أنه من الصعب علي زميلته وكيلة كلية الآداب لشئون الدراسات العليا أن تتقبل عبارة "لم ينجح أحد". مع أنه تساهل مع هؤلاء الطلبة حتي كاد يعطيهم سؤال الامتحان مسبقاً. وتصور بعد ذلك أنه سيقرأ "كراسات إجابة مملوءة بالمعرفة ومعمقة في الفهم". ولكنه فوجيء علي العكس من ذلك. إذ إن الطلاب تعاملوا مع الموضوع باستهتار لا نظير له. ولم يقرأوا قراءة عميقة في أي منهج من المناهج التي قمت بتدريسها لهم. وكانت الإجابات مزرية.
لقد اقتربت المساحة المتاحة من النهاية. ولم يعد ثم مجال لمزيد من الاقتباس. خاصة أن المقال يسهل الرجوع إليه. ومن الملاحظ بداية أن الدكتور عصفور تجنب عامداً ــ غالباً ــ اسلوب الاثارة وتصدي لتردي التعليم الجامعي والعام بمشرط الطبيب الماهر الذي يتجنب إثارة ألم مرضاه. وهو يقوم بعمله بكفاءة. حتي لو وصل الأمر إلي البتر والاستئصال!. وهذا ما يخلص إليه نهاية بعد تشخيص دقيق لأعراض المرض وأسبابه. وبناء علي هذا يحدد المطلوب عمله. ومنوراً. ويقول "إذا كانت القوات المسلحة تحمي حدودنا ووطننا من مخاطر الداخل والخارج. فإن التعليم العام والجامعي هو الذي يحمي عقول أبنائنا من الانحدار والجمود والتكلس الذي يجعلهم عرضة وفريسة لدعاة الإرهاب الديني الذين غزوا عقول أبنائنا فانحرفوا بها إلي ما يناقض تماماً رسالة العلم وأهدافه. والخلاصة بل خلاصة الخلاصة وزبدتها أن "الأمر وصل إلي درجة تهدد مستقبل هذه الأمة. فأمة بلا تعليم حديث وعصري لا مستقبل لها. ولا تقدم علي السواء". ومن الواضح أننا نكاد نصل جميعاً إلي هذا الرأي. وعلينا أن نتوصل وبسرعة إلي ما يجنبنا وقوع الكارثة. بل ويضمن لنا مستقبلاً يليق بنا وبتاريخنا وأمجادنا.. ومقاليد هذا بأيدينا:
تعليم عصري ولغة قويمة. واسلمي يا مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف