على هاشم
إلي متي تسييس ورقة حقوق الإنسان؟!
* هل أمريكا حريصة فعلاً علي تحسين حالة حقوق الإنسان في مصر أو غيرها..هل يهمها أن تصبح مصر أو غيرها أكثر ديمقراطية وتمديناً وحرية .. أليس عراق ما بعد صدام نموذجًا لا يقبل الشك علي النوايا الحقيقية لواشنطن تجاه دولنا وشعوبنا .. هل الفوضي والدمار اللذان اجتاحا العراق في أعقاب الغزو الأمريكي مطلع العام 2003 هما الترجمة الحقيقية للديمقراطية المحمولة علي الدبابات وأكتاف قوات المارينز .. ألا تخجل واشنطن من ترديد أكاذيب وأباطيل تحت زعم حقوق الإنسان» تلك الورقة السياسية التي صارت وسيلة ابتزاز أمريكية للدول التي لا تدور في فلكها.رافضة الانصياع لإرادتها في إدارة العالم وفق مشيئتها.
الصين تلك القوة العظمي كثيرًا ما اتهمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة في العقود الأخيرة بانتهاك حقوق الإنسان. وتنسي أمريكا أنها ضالعة في انتهاك الحقوق العربية. ولا يخفي تورطها في صناعة داعش بحسب وثائق جري تسريبها في الفترة الأخيرة .. ذلك التنظيم العدو الأول للإنسان والحضارة وحقوق الإنسان وعلي رأسها الحق في الحياة والأمن .
وباستثناء تنديد أمريكا بالعدوان الثلاثي علي مصر والذي تورطت فيه قوي استعمارية قديمة زال سلطانها بمشاركة وتحريض من إسرائيل في العام 1956 لا نجد في سجل أمريكا ما يشفع لها أو يؤكد سلامة نواياها ومقاصدها إزاء القضايا العربية والإسلامية فقد وقفت إلي جوار إسرائيل في حرب 73 وأمدتها بأسطول من أحدث الدبابات التي أنزلتها الطائرات الأمريكية إلي أرض المعركة مباشرة . وناصرتها في نكسة 1967 ولا تزال تمدها بكل ألوان الدعم المادي والسياسي وفي المحافل الدولية لأجل قضم ما بقي من فلسطين وهضم الحقوق العربية حتي أن ترامب وعد بنقل سفارة بلاده إلي القدس متجاوزًا كل الخطوط الحمراء. متفوقاً علي جميع من سبقوه من رؤساء أمريكا في الانحياز لإسرائيل .ناهيك عما تلقته تل أبيب من معونات عسكرية بلغت 35 مليار دولار في آخر أيام الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ..
القدم الأمريكية الثقيلة لم تأت بخير منذ وطأت أراضي العالم العربي والإسلامي بدءاً من غزو العراق والإطاحة بصدام وباستقرار العراق ووحدته. مرورًا بحرب أفغانستان وتأجيج نوازع التطرف والإرهاب وزرع جذور تنظيمات العنف السياسي بالجماعات التكفيرية الراديكالية. مرورًا بتنظيم القاعدة. وصولاً إلي داعش وجبهة النصرة وجند الشام وبيت المقدس وغيرها من فروع الشجرة التي رعتها أمريكا. وساعدت علي توحشها بأخطائها السياسية الكارثية في المنطقة والعالم وانحيازها الأعمي لإسرائيل .
وها هي أمريكا اليوم تعاود لعبتها المكشوفة وتناور بورقة حقوق الإنسان . وتقطع مساعداتها عن مصر بدعوي تراجع سجلها في مجال الحقوق والحريات العامة .. وتنسي الإدارة الأمريكية ما تمر به مصر من محنة تسببت فيها أحداث ما بعد 25 يناير 2011 . والتي خلقت انفلاتًا أمنيًا واجتماعيًا وهزة اقتصادية . وفتحت أبواب العنف السياسي علي مصاريعها فخرجت تنظيمات التطرف والإرهاب من جحورها . وجاءت من كل صوب وحدب لتحارب الدولة في محاولة لكسر إرادتها وهدم جيشها وشرطتها وقضائها وإعلامها حتي تصبح مصر أرضاً للفوضي والخراب والدمار والضياع مثلما حدث لدول عربية لم تقم لها قائمة بعد ما عرف بثورات العربي .. أين حقوق الإنسان في صناعة تنظيمات العنف وإطلاقها علي الدول العربية فتعيث فيها قتلاً وتدميرًا للحضارة تحت ستار أمريكي إن لم يكن ضالعًا في إمدادها بالمال والسلاح والمعلومات فقد غض الطرف عما فعلته دول وأجهزة مخابرات أخري سهلت تمدد داعش من العراق إلي سوريا إلي ليبيا . كما غض الطرف عما فعله الحوثيون ذوو القربي الروحية بطهران .. أروني دليلاً واحدًا علي أن أمريكا اهتز ضميرها لمقتل آلاف العرب في صراع مفتعل علي الهوية وعلي الدين بأيدي أشقائهم في الوطن وإخوانهم في الدين .. هل يغمض لأمريكا جفن بمشاهد الدمار والقتل التي لا يكاد يمر يوم دون أن تعرضها الشاشات ومواقع السوشيال ميديا في عالمنا العربي ..
أمريكا تزعم أنها الراعي الرسمي لحقوق الإنسان في العالم وقد جندت المنظمات والجمعيات الأهلية الناعقة بسياساتها وشعاراتها هنا وهناك» وهو زعم تبددت مصداقيته علي صخرة ازدواجية المعايير وتسييس ورقة حقوق الإنسان» فأمريكا لم تقدم دليلاً واحدًا يؤكد وقوفها إلي جانب المستضعفين في الأرض أو إلي جانب المسلوبة حقوقهم في المنطقة العربية» خصوصًا في فلسطين ولا يمكننا فهم قرار قطع المساعدات الأمريكية عن مصر بمعزل عن الأطر الحاكمة لعلاقات العرب ولاسيما أمريكا بمصر ولا بمعزل عن قانون الجمعيات الجديد الذي لا يروق لواشنطن وبعض حلفائها المتشدقين بالعبارات الطنانة المنادية باحترام الحقوق والحريات. ولا بمعزل عن قضية التمويل الأجنبي التي تورطت فيها عناصر أمريكية أدانهم القضاء المصري الشامخ بأحكام نزيهة دامغة لولا الإسراع بالإفراج عنهم وإخراجهم من مصر بليل .
اتخاذ قضية الحقوق والحريات ذريعة للتدخل الأمريكي في شئون الدول وخصوصياتها بات لعبة مكشوفة لا تنطلي علي أحد. فضلاً علي أن يكون الشعب المصري الواعي صاحب الحضارة العريقة. ولم يعد خافيًا أمر بعض منظمات حقوق الإنسان التي تستخدمها أمريكا كمخلب قط لتشويه سمعة الدول وابتزازها وإخضاعها لهيمنتها . وهي منظمات يأتي علي رأسها " هيومان رايتس ووتش " الأمريكية ومنظمة العفو الدولية ومقرها لندن .. وما أدراك ما لندن .. وهي منظمات لا تكف عن بث سمومها ونشر أكاذيبها وفبركاتها عن حقوق الإنسان في مصر بين الحين والآخر .. وإذا كانت أمريكا أقامت الدنيا ولم تقعدها إثر القبض علي بعض رعاياها في مصر علي خلفية تورطهم مع غيرهم في قضية التمويل الأجنبي التي شابتها مخالفات جسيمة .. فهل يسمح الراعي الأمريكي بأن تقيم دول أخري منظمات أجنبية علي أرضه تتلقي تمويلاً خارجيًا بالمخالفة للقانون الأمريكي .. هل يقبل المعاملة بالمثل .. ومن الذي منح أمريكا حق التدخل في شئون الدول الأخري وخرق سيادتها بدعوي حقوق الإنسان .. ولماذا تشهر هذا السلاح في وجه مصر وتغض الطرف عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في فلسطين علي يد الاحتلال الإسرائيلي . ولماذا لا نسمع لها صوتًا بشأن خروقات حقوق الإنسان في دول مثل قطر وتركيا وإسرائيل حتي داخل أمريكا ذاتها ولاسيما الانتهاكات بحق السود ..ولماذا الإصرار علي تبني جانب معين من الحقوق وإغفال جوانب أخري لا تقل أهمية عنها وربما تزيد .. لماذا التركيز علي الحقوق السياسية والمدنية وإغفال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية .. أين الحق في بيئة نظيفة .. أين هي من قضية المناخ والخروقات الجسيمة للدول الصناعية الكبري بحق البيئة العالمية .. وأين الحق في التعليم والسكن والصحة ؟!
لقد كشفت حيثيات الحكم في قضية التمويل الأجنبي الأخيرة عن وجود فروع لمنظمات أمريكية وغربية في مصر اتخذت من نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان ستارًا تخفت وراءه لتمارس نشاطًا استخباراتياً» بقصد الإضرار بمصر ونشر الفوضي في ربوعها وهو ما لا يجوز السكوت عنه . كما أن ما يفعله إعلام الغرب ضد مصر جيشها ونظامها . وما يهدد به الكونجرس والحكومة الأمريكية بين الحين والآخر ابتزاز رخيص ومرفوض لا يخفف من فظاظته ما يصرح به مسئول دبلوماسي هنا أو هناك من أن هذا لا يؤثر في مستقبل العلاقات القوية بين البلدين .
لم يعد مقبولاً من أمريكا ولا غيرها التدخل في شئون مصر بهذه الصورة الفجة أو بغيرها . ذلك أن ثمة تناقضًا صارخاً بين شعارات ومبادئ صدعتنا بها أمريكا لإعلاء سيادة القانون واحترام سيادة الدول والشعوب وبين ما تروجه بشأن حقوق الإنسان .. ولابد أن تدرك أمريكا. وهي حتمًا تدرك. أننا إزاء تغيير جذري وواقع جديد وإرادة سياسية مستقلة وشعب يرفض الخضوع لأي ابتزاز فهو صاحب الحق في تقرير مصيره وسياساته وقوانينه دون وصاية من أحد حتي لو أدي ذلك إلي قطع معونات أمريكا التي تعلم أنها هي المستفيد الأول منها .. ولا أدري لماذا الاعتراض علي قانون الجمعيات الأهلية .. هل لأنه أحكم تنظيم تلقي الأموال وإنفاقها ووضع ضوابط صارمة معمولاً بها في كل دول العالم.. وهل يمكن التعامل بالمثل مع الدول التي تمول جمعيات أهلية في بلادنا .. وهل تسمح قوانينها بذلك وإذا كانت قوانين أمريكا والغرب تحظر مثل ذلك فلماذا الغضب من قانون الجمعيات الجديد ؟!
عندما فاز ترامب برئاسة أمريكا لم أندهش من صدمة الإخوان في هزيمة هيلاري كلينتون . فصعود ترامب إلي سدة البيت الأبيض قضي علي أخر آمالهم في العودة لبحر السياسة من جديد بعد أن ماتوا شعبيًا .. فهيلاري كانت متحمسة لعودتهم قسرًا للمشاركة السياسية في العالم العربي رغم فظاعة ما ارتكبوه من جرائم في سوريا وليبيا ومصر . ورغم حروب الإعلام وأباطيله وكذب استطلاعات الرأي العام الغربية التي بشرت بفوز هيلاري لكن حزب الكنبة الأمريكي أعلن رفضه لمخططات هدم دول المنطقة برعاية أوباما .. جاء ترامب وفي جعبته وعود وتصريحات ترفض التدخل في شئون الدول أو توظيف ملف حقوق الإنسان سياسيًا .. لكن هل يكفي ذلك لمنحنا الطمأنينة إزاء نوايا ترامب ومستقبل العالم معه ..صحيح أن أمريكا دولة مؤسسات لا تخضع لمشيئة رئيسها وحده. إنما يشاركه في الحكم أطراف أخري كالكونجرس والبنتاجون والخارجية.. لكن ذلك لا يمنع أن نكف عن الرهان علي أشخاص الرؤساء. وأن يصبح رهاننا علي قوتنا هو الخيار الأوحد . فالعالم لا يعترف سوي بالأقوياء والمستقبل لا تبنيه الأماني بل الإرادة والعزيمة والتخطيط السليم والتوظيف الجيد لمقومات القوة .. ولنا فيما قاله أوباما وما فعله درس لا ينسي .. فشتان بين ما حوته عباراته المنمقة الناعمة في خطاب جامعة القاهرة وما تركته أفعاله من دمار وخراب جعل العالم أكثر تعاسة وقسوة .. ليتنا نتعلم الدرس ونراهن علي أنفسنا ووحدتنا .. فذلك هو الضمان الأمثل نحو مستقبل آمن.
ما أحوجنا للدعاء في يوم عرفة
اليوم يقف الحجيج علي صعيد عرفات يذرفون الدمع. خاشعين متبتلين إلي الله . متوسلين إليه أن يغفر ذنوبهم وخطاياهم حتي يعودوا كيوم ولدتهم أمهاتهم ويشاركهم مسلمو العالم أجمع في الدعاء إلي الله عسي أن يفرج الهموم والكروب وأن يصلح حالة الأمة التي لا تسر حبيبًا ولا عدوًا .. اليوم تلهج ألسنة الأمة كلها بالدعاء بقلوب مؤمنة. ونحن ندعو معهم عسي الله أن يقبله منا اللهم احفظ مصر وجيشها وشعبها وشرطتها.. وانصرنا علي أعدائنا وأغننا عن أمريكا ومعوناتها واحفظ لمصر قرارها الوطني واجعل سيادتها واستقلالها مضرب الأمثال . وطهرها من الإرهاب والفتن ما ظهر منها وما بطن .. اللهم خلصها من جحافل الإرهاب وداعميه وانزعه من أرضها واجعلها سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.. اللهم آمين .