الأهرام
عبد الرحمن سعد
افرحي يا نفس
يستقبل المسلمون، بدءا من اليوم "الجمعة"، عيد الأضحى المبارك، وقد امتن الله عليهم بأن جعل منه، هذا العام، عيدين، إذ يحل في يوم "الجمعة"؛ العيد الأسبوعي للمسلمين، فيستحضرون أعظم معنى له، وهو أن العيد الحقيقي يوم يقرر المسلم العودة الإيمانية للنفس، مجددا شعوره بالحياة، فاتحا صفحة جديدة: نقية تقية مع الله.
إن تصرفات الإنسان مع الآخرين انعكاس لما يعتمل في ذاته وداخله، فإن كانت نفسه تتسم بالاتزان، وتنعم بالسكينة، وتتحلى بالهدوء؛ فسوف تأتي مواقفه وردود أفعاله مع الآخرين، مرآة لما انصبغت به نفسه من صفات العلم والرحمة، أما إن كانت نفسه مضطربة ومشوشة فمهما تظاهرت وحاولت أن تبدو بخلاف ذلك أمام الناس، من الاستنارة بنور العقل والحكمة؛ لم يرشح عنها سوى النزق، والشطط.

يقول الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي، في قصيدة بعنوان "فلسفة الحياة": "والذي نفسه بغير جمال.. لا يرى في الوجود شيئا جميلا". ويتابع: "فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه.. لا تخف أن يزول حتى يزولا"، مردفا: "ما أتينا إلى الحياة لنشقى.. فأريحوا، أهل العقول، العقولا". ويختتم قصيدته بالقول: "كن جميلا.. ترى الوجود جميلا".

إن عيد الأضحى يأتي هذا العام فرصة لتجديد المرء لحياته، فالعيد السعيد الحقيقي للمرء مع الناس؛ إنما يتحقق بأن يكون له عيد حقيقي أولا مع نفسه، وذلك بأن تكون له لحظة اختلاء بها، ووقفة حساب لها، يقوِّمها فيها، ويحاسبها عن نياتها وأفعالها، ويفكر في ما صدر عنها، مع إمعان النظر في الحوادث والحياة، من حوله.

روى الإمام مسلم عن ابن مسعود، رضي الله عنه، أنه قال: "الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ".

من هنا نستقبل عيد الأضحى، ونحن نستحضر أن العيد الحقيقي إنما هو عيد "الفكرة الصائبة، والحركة الرشيدة".

ففي مقاله بعنوان "فلسفة العيد" من كتابه: "وحي القلم"، قال الأديب مصطفى صادق الرافعي: "ما أشدَّ حاجتَنا -نحن المسلمين- إلى أن نفهم أعيادنا فهمًا جديدًا، فتجيء أيامًا سعيدة عاملة، تجدِّد نفوسنا بمعانيها، لا كما تجيء الآن كالحة عاطلة ممسوحة من المعنى، أكبر عملها تجديد الثياب، وتحديد الفراغ، وزيادة ابتسامة على النفاق".

فلتكن للواحد منا، إذن، في العيد، والأمر هكذا؛ وقفة تأمل مع النفس، يجدد فيها فرحه بربه. كما قال ابن القيم: "يفرح به إذ هو عبده ومحبه، ويفرح به، سبحانه، ربًا وإلهًا ومنعمًا ومربيًا".

نفرح في العيد بالتوبة، وقد فرح تعالى بصاحبها، فجاء في الحديث: "للَّهُ أَفْرحُ بتْوبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سقطَ عَلَى بعِيرِهِ، وقد أَضلَّهُ في أَرضٍ فَلاةٍ".(متفقٌ عليه).

نفرح بلقاء ربنا إذ قال تعالى: "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ".(الفجر: 27 -30).

ذلك، كما ذكر ابن القيم: "حين يلقى المؤمن أهله وأصحابه، فيفرحون به، ويفرح بهم، فرحَ الغائب يقدم على أهله، وهذا كله قبل الفرح الأكبر، يوم حشر الأجساد، بجلوسه في ظل العرش، وشربه من الحوض".

يجدد المرء في العيد فرحه برسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ جعله الله رحمة للعالمين، وأرسله رمزا للتفاؤل، والتيامن، والرفق، حتى إنه، صلى الله عليه وسلم، لم يخف فرحه، حين فتح الله عليه مكة. قال عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة، على ناقته، وهو يقرأ سورة "الفتح" يرجِّع". (الترجيع تحسين الصوت خشوعا وتذوقا للمعاني).

كما يجدد المرء فرحته في العيد بحب الله، ورسوله، والصحابة. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".

وفي العيد نفرح، كذلك، بالإسلام والقرآن، فنستذكر قول الله: "قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ". (يونس:58). "يَجْمَعُونَ" أي: يجمع الكافرون من متاع، وضِيَاع. وفي قراءة: "تَجْمَعُونَ"، خطابا للمسلمين.

فرحة العيد تذكرنا أيضا بسرور أهل الجنة. قال تعالى: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً". (الانشقاق:7-9).

أخيرا، نفرح في العيد فرح الشهداء، الذين فرحوا بالإسلام في الدنيا؛ فامتد فرحهم في الآخرة؛ بقوله تعالى: "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ َيحْزَنُونَ". (آل عمران:169 و170).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف