المستشار محمد محمد خليل
قطار الدلتا والسكة الحديد
في زمن مضي كان يوجد قطار الدلتا. أشبه بالترام. إلا أنه أشد سرعة منه. يخدم المناطق التي لا تصلها قطارات السكة الحديد المصرية. أو الطرق غير المعبدة. يُيَسِّر علي الناس في القري والنجوع الانتقال وبضائعهم إلي المدينة. أو بين القري. بعد ثورة يوليو اتهموه بأنه معوق وبطيء.. عملت الدولة علي القضاء عليه. وبيعت أملاك الشركة صاحبة المشروع بثمن بخس. وكانت عبارة عن ملايين الأمتار وآلاف الأفدنة من الأراضي داخل القري والمدن وخارجها. ومئات الأطنان من القُضبان الحديدية. والفلنكات الخشبية. التي تتحدي حرارة الشمس ومياه الشتاء. والزيوت.. عدا آلاف الأطنان من الخردة وعربات وجرارات تلك القطارات. عدا الحديد الزهر الذي يستخدم في صناعات كثيرة.. انتهت سكك حديد الدلتا. وحرم الناس من وسيلة مواصلات رخيصة وآمنة وشاملة.. لجأ الناس بعد ذلك إلي استعمال سيارات لنقلهم وأخري لبضائعهم. مما شكل عبئاً ثقيلاً ونفقات باهظة. فضلاً عن سلسلة الحوادث التي لا حصر لها من تصادم سيارات تسير في طرق ترابية مخيفة في الشتاء. مما أوقع حوادث كثيرة لتصادم السيارات أو انحراف إلي ترعة أو شجرة. تاركاً كل ذلك وراءه ضحايا وخرائب لا حصر لها.
زمن راح بما فيه من تخبط وتضارب في القرارات والتنظيمات والتأميمات.. لم يبق لدينا بعد قطار الدلتا سوي سكك حديد الحكومة المصرية بتاريخها وعراقتها وأمنها وأمانها.. ذات أملاك لا حصر لها من طرق. وحرم طرق وأحواش وورش وقضبان وفلنكات إلي آخره. ثروة هائلة لدي السكة الحديد.. يوجد آلاف الأطنان من القضبان المستهلكة. وآلاف الفلنكات الخشبية أو الحديدية. وما يلزمها من مسامير وصواميل وأشياء أخري لا حصر لها متروكة علي جانبي السكة في أماكن شتي من أقصي البلاد إلي أقصاها. مهددة بسرقتها عن طريق لصوص لا ضمير لهم. ولا عقل لديهم إلا في التخريب.. هذه الأصناف الحديدية من أنقي أنواع الصلب. وأشده تحملاً. وبكميات هائلة.. لماذا لا تباع في مزاد علني إلي تجار الحديد. وأصحاب مصانع السحب لتغطي سوق الحديد المسلح لينتفع بأثمانها في تطوير السكة الحديد بدلاً من هلاكها أو ضياعها؟!.. لا شك أن مثل هذه البضائع المتروكة. سوف تأتي بمبالغ هائلة تُضَخ في خطة إصلاح السكة الحديد. وتجديدها.. كما أن الجرارات القديمة والمستهلكة ينتفع بما فيها من قطع غيار تَصْلُح لاستخدامها في جرارات من ذات النوع. أو بيعها بالمزاد العلني.. وهكذا في الأخشاب وجميع أنواع الخردة المخلفة لدي الهيئة.
وتأتي ضرورة الحفاظ علي أملاك الهيئة من الأراضي سواء كانت أحواشاً غير مستخدمة. أو حرم الطرق.. لابد من حمايتها من الاستيلاء عليها من جانب الأفراد أو الجهات الحكومية الأخري. فعلي سبيل المثال: استولي علي حرم طريق قطار طنطا ــ المحلة. بإنشاء محلات لا حصر لها في تلك الأماكن وعلي الجانبين في شارع شمس الدين. بمعرفة مجلس المدينة. مما يشكل خطراً في سير القطارات بإلقاء بعض المخلفات خلف هذه المحلات التي أقيم عليها أكثر من طابق. وهكذا علي مستوي الجمهورية.. ابحثوا هذه الأوضاع. وقننوا التصرفات. وسجلوا هذه الصور قبل أن تضيع أملاك السكة الحديد. كما ضاعت عظمتها وانتظامها. وكونها رمزاً حضارياً نفخر به بين الدول.
أثناء تولي المهندس سليمان متولي وزارة النقل أعيد تجميل وبناء محطات كثيرة للقطارات مقابل إنفاق ملايين الجنيهات دون النظر إلي تجديد القطارات وإصلاحها.
من العيب الخطير أن مصر منذ إنشاء السكة الحديد في القرن التاسع عشر لم تنشئ خطوطاً جديدة تزيد عما أنشأته أسرة محمد علي سوي خط إسكندرية ــ برج العرب الجديدة. الذي لم يحسن استخدامه حتي الآن.. فطريق طنطا ــ دمياط. مازال خطاً فردياً من المنصورة حتي دمياط. ومازال خط بورسعيد ــ القاهرة. وطنطا ــ بورسعيد. خطاً فردياً حتي الآن.. رغم أن دمياط وبورسعيد بهما موانئ للسفن تستلزم سهولة الوصول إليهما والخروج منهما لنقل البضائع.. ولم يفكر أحد في جعل هذه الخطوط زوجية ليزيد الانتفاع بها.
في زمن مضي ضاعت شركة الدلتا للقطارات.. والأمل ألا تضيع هيئة السكة الحديد رمز مصر في الدخول إلي عصر النهضة والتحضر في العصر الحديث.