فريد إبراهيم
التضحية ذروة الكمال الإنساني
في مثل هذا اليوم من زمن موغل في القدم وفي طبيعة شديدة الخشونة واجه شيخ كبير عاش حياته وفياً لربه ولإيمانه مجتهداَ دقيقاً في وفائه.. واجه الرجل اختباراً اهتزت له الجبال من حوله وفزعت له الملائكة متضرعة إلي ربها أن يرفع البلاء عنه. لكن الشيخ المسن لم يتوان ولم يحتل في مواجهة هذا البلاء العظيم الذي تمثل في ذبح ابنه وحيده الذي انجبه بعد أن بلغ من الكبر عتياً وصل حرص الشيخ المسن سيدنا إبراهيم في دقته ووفائه مبلغاً قال الله فيه "وإبراهيم الذي وفي"" و جد في تنفيذ ما أمر به حتي ناداه ربه "أن يا إبراهيم قد صدقت الرويا" وكانت الجائزة علي قدر الوفاء وقدر الجد في الأداء فافتدي الله سيدنا إسماعيل بكبش عظيم وثلج صدر خليله بنجاة ابنه وحبيبه من الموت وكانت ذروة المكافأة بأن سار سيدنا إبراهيم خليل الله "واتخذ الله إبراهيم خليلاً".
وإذا أردنا أن نتمثل جانباً من هذه المحنة الموجعة والاختيار المؤلم فلنتأمل صبياً وحيداً انجبه أبوه علي كبر بعد أن فات أوان الأمل فيه وكان الصبي علي ما يهوي أبوه ويرغب من صلاح فتقر عين ابيه بكل ما يفعل وعلي طاعة فيمتليء قلب ابيه رضاً كلما استجاب لامره وفي مقتبل الشباب يدخره أبوه لشيخوخة مقعده ووهن معوذ.
إذن فالمحنة كبيرة لكن الوفاء بأوامر الله أجل واعظم والاجتهاد في تحقيقها لازمة من لوازم نبي وصفه ربه بالأمة الكاملة "إن إبراهيم كان أمة قانتاَ لله حنيفاًَ ولم يكن من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلي صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين".
هذه التضحية وهذا الوفاءوهذا الكمال في الأداء هي علامات الإنسان الكامل وهي قدوة الباحثين عن هذا الكمال والباحثين عن التكريم الالهي وهو طريق الأمم التي تريد أن يكون لها مستقبل في هذه الحياة وتقدم للإنسانية عطاء يسعدها لا يشقيها وييسر عليها حياتها لا يكلفها من أمرها عسراً.. فالأمم الراغبة في تولي مسئوليتها تجاه البشر جميعاً تسعي بكل الوسائل أن تضع شبابها بها علي طريق التضحية هذه والتضحية كما نعلم بنت الشهامة والنفوس الكبيرة ومن شأن هذه النفوس الكبيرة أن تفيض عطاء علي من حولها كثرة امكاناتها أو قلت وأيا كان موقعها في هذه الحياة لان العطاء قيمة يستطيعها كل من رغب أياً كانت ظروفه وتبدأ بالابتسامة في وجوه الناس وقد جعل الله الابتسامة هذه صدقةو ذكرنا بذلك رسولنا صلي اليه عليه وسلم مروراً بالكلمة الطيبة وإماطة الاذي عن الطريق إلي أن يصل الإنسان إلي ذروة هذا السنام وهو التضحية بالمال والنفس في سبيل أمن وأمان الناس ورفع الظلم عنهم.
ولأننا ندرك قيمة التضحية وما يتعلق بها من ايثار وعون وتعاون وأمانة وصدق إلي آخر صفات الإنسان الكامل فلست في حاجة إلي الحديث عن اهميتها فكلنا يعلم لكن كلنا يحجم للاسف الشديد عن التخلق بمثل هذه الأخلاق التي لا نجاة لنا في عالم الذئاب إلا بالتمترس خلف قيم ديننا هذه فنعيد إلي نفوسنا الإنسان القادر علي تحمل مسئولية أن يكون إنساناً صاحب حضارة وتاريخ ومسئولية تجاه نفسه وتجاه من حوله فلا يقيل لأن تهان أمته أو تاريخه أو تعبث الأمم بمصائرنا.