التحرير
عمرو حسنى
عيدان للمتنبي
أنشد المتنبى، فى قصيدة لا يذكرها أحد، مهنئًا سيف الدولة بالعيد وقت إقبال الدنيا عليهما: "هنيئًا لك العيد الذى أنت عيدهُ"، واصفًا سيده سيف الدولة بالعيد الذى تحتفل به الأعياد. وفى قصيدة أخرى يعرفها الجميع، وقت إدبار الدنيا عنهما، ناح قائلاً: "عيدٌ بأية حالٍ عدت يا عيدُ"، ليتكرر نفس العيد ولا يصادف نفس المتنبى.
فى سنوات المراهقة، من منكن قالت لأمها، ومن منكم قال لأبيه: لماذا ينبغى أن يستيقظ الإنسان ليفرح بالأمر المباشر فى يوم محدد من العام يسمونه عيدًا؟ من المؤكد أن بعضكم أضاف أيضًا، إن العيد هو اليوم الذى يحقق فيه الإنسان إنجازًا أو يحتفل بمناسبة يحمل لها فى قلبه ذكرى سعيدة. عيد زواج مثلاً، إن كانت حياته الزوجية ناجحة، أو يوم ميلاد حبيب أو عزيز يمثل له مصدرًا للسعادة.
الطعام والملابس الجديدة بمفردهما لا يصنعان فرحة ترسخ فى القلب. العطايا التى يمنحها الغنى للمحتاج ليستكمل بها طقوس الأعياد ربما ترسخ فى نفس المحتاج شعوره بنقصه عن المستورين أكثر مما تمنحه سعادة عابرة.

تراث البشرية يحفل بالأعياد التى لا تمثل للقادرين سوى مبرر للتنافس فيما بينهم لإظهار قدرتهم على الشراء والاستهلاك أكثر من غيرهم. المراهق الذى أرهق أهله بتمرده الدائم واعتراضه على أكثر الأشياء اعتيادية فى حياتهم، ربما يصير كبيرًا يحتفل بالأعياد كغيره من الناس، بل وربما يقمع صغاره إن تمرد أحدهم وعبر عن استيائه من فكرة ممارسة السعادة بميقات معلوم، وصرح بأنه يشعر بالخجل يجرح إنسانيته عندما يرى أهله وهم يمارسون إحساسهم بالتفوق والرضاء التام عن النفس بمنحهم قطع اللحم لطوابير المحتاجين الذين يتزاحمون أمام أبوابهم.
من حقك أن تستخف بهذه الكلمات لكننى واحد ممن يرون أن كثرة التصدق فى مجتمع ما تؤكد زيادة ابتعاده عن العدالة ولا تعنى اقترابه من الفضيلة. اليوم الذى تتوقف فيه العطايا المباشرة من يد القادر ليد المحتاج أو تصل إلى حدودها الدنيا، هو اليوم الذى يرتقى فيه المجتمع إلى درجة مقبولة من الإنسانية تحقق عدالة فى توزيع الثروة تجعله يستحق أن يستمتع بالاحتفال بأعياده التراثية.

كل عيد وأنتم طيبون وأطفالكم أذكياء متمردون.
رفض المألوف وإخضاعه للفحص والتساؤل هو الطريقة الوحيدة للوصول بالحياة إلى واقع أكثر إنسانية. تذكروا دائما أن المتنبى كان له عيدان.

مقال قديم فى ثوب لا يبلى، ولم يتجاوزه الواقع بعد للأسف.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف