الأهرام
عبد الغفار شكر
الشباب بين الأكاديمية والمنظمة
أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قرارا جمهوريا بإنشاء الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب والتى تستهدف تحقيق متطلبات التنمية البشرية للكوادر الشبابية بجميع قطاعات الدولة والارتقاء بقدراتهم ومهاراتهم، ويرى البعض ان هذه الأكاديمية أقرب ما تكون إلى المدرسة الوطنية للإدارة فى فرنسا التى تعتبر تجربة عريقة فى الإصلاح والتطوير الإدارى منذ إنشائها فى أكتوبر 1945 وتلتزم هذه المدرسة بمعايير بالغة التعقيد لقبول المتدربين إليها والذين عادة ما يكونون من خريجى أبرز الكليات والمؤسسات التعليمية فى فرنسا.

من الواضح أن مهمة هذه الأكاديمية هى إعداد الصف الثانى والثالث من قيادات الدولة فى كل المجالات وأن خريجيها سيكونون الوعاء الذى تختار منه الدولة الوزراء وكبار المديرين فى مختلف القطاعات الخدمية والاقتصادية والثقافية والتعليمية ومن هنا يتضح أن الأكاديمية فى أحسن الأحوال ستكون جزءا من بيروقراطية الدولة، ستكون مهمتها تزويد هذه البيروقراطية بأجيال من ممارسى الإدارة أكثر تأهيلا وأكثر كفاءة مما يرفع مستوى بيروقراطية الدولة للقيام بمهامها على أكمل وجه، ولا نستطيع الحكم على تجربة الأكاديمية بشكل كامل إلا إذا توافرت لنا معلومات كافية عن نظام الدراسة بها وهل سيقتصر على العلوم النظرية ام سيشمل جانبا ميدانيا يقوم من خلاله الدارسون بها بعمل تدريبى على القيادة لفترة معينة فى مختلف قطاعات الدولة للحكم على قدراتهم على القيادة.

وهناك اختلاف كبير بين هذه التجربة الوليدة فى مصر وبين تجربة منظمة الشباب الاشتراكى التى تأسست فى عهد جمال عبدالناصر بهدف إعداد جيل جديد من القيادات قادر على المشاركة فى إدارة الدولة فى جميع المجالات . لم تكن منظمة الشباب مجرد أكاديمية او مدرسة يتلقى فيها الطلاب الدراسات النظرية بل كانت تنظيما سياسيا شبابيا له وحدات فى جميع الكليات الجامعية والمدارس الثانوية والمصانع والوحدات الخدمية والقرى، تتكون كل وحدة من عدد من الأعضاء ينتخبون من بينهم أمينا للوحدة وعدد من الأمناء للقيام بأعمال التثقيف والتدريب والعمل التطوعى وغيرها، وتشكل أمانات الوحدات مؤتمر المركز أو القسم الذى ينتخب أمين المحافظة وأمانة المحافظة، ويتشكل من أمانات المحافظات المؤتمر العام للمنظمة على مستوى الجمهورية الذى ينتخب اللجنة المركزية والأمانة المركزية التى تقود المنظمة على كل المستويات وفى كل المجالات ومن خلال النشاط التطوعى فى خدمة المجتمع ترشح كل وحدة عددا من أعضائها ليتلقوا مرحلة أولى من التثقيف من 10 محاضرات فى معسكر متفرغ لمدة 10 أيام يستوعبون من خلالها المفاهيم الأساسية للعمل السياسى وللثقافة الوطنية مثل مفاهيم الديمقراطية والوطنية والقومية العربية والسلام العالمى والاشتراكية والرأسمالية وغيرها . ويعود هؤلاء الأعضاء إلى وحداتهم لمناقشة نشاطهم لخدمة المجتمع وقد تعلموا خبرة الحوار والعمل الجماعى والقدرة على طرح الأفكار ويتكرر نفس الأمر على مستوى المركز حيث يرشح المتميزون من الأعضاء لمرحلة ثانية من التثقيف وهى دورة متفرغة لمدة 3 أسابيع يدرسون خلالها موضوعات متعلقة بالمنهج العلمى للتفكير فى الدراسة والعمل أما المرحلة الثالثة التى يدرس بها قيادات المحافظات فهى لمدة 45 يوما يتعمقون من خلالها فى دراسة مشكلات المجتمع وكيفية مواجهتها. ويقوم النشاط فى المنظمة على العمل التطوعى فى خدمة المجتمع فى أوقات الفراغ.

ومن خلال هذا النشاط يكتسب المتميزون منهم سمعة طيبة وشعبية بين زملائهم فيرشحون أنفسهم لقيادة الاتحادات الطلابية ومراكز الشباب والنقابات العمالية والمهنية بل واستطاع بعضهم الفوز بعضوية مجلس الشعب وقد نجحت منظمة الشباب الاشتراكى فى الفترة من 1965 إلى 1976عندما صدر قرار أنور السادات بحلها فى استيعاب أكثر من نصف مليون شاب وفتاة موزعين على جميع قطاعات المجتمع. وكانت المنظمة بهذا الأسلوب فى نشاطها وعاء سياسيا حقيقيا فى تثقيف الشباب فى كل اتجاهات الفكر السياسى حيث توزع هؤلاء بعد حل المنظمة على التيارات الفكرية الرئيسية فى مصر كالاشتراكية والناصرية والليبرالية والماركسية والإسلامية. وكانوا من أبرز قيادات هذه التيارات مثل الدكتور أحمد عبدالله رزه الليبرالى قائد الحركة الطلابية فى السبعينيات الذى حصل على رسالة الدكتوراه من لندن عن دور الطلاب ومنظمة الشباب فى الحركة الوطنية، والدكتور محمد عبدالشفيع عيسى من أبرز القيادات القومية العربية مع الدكتور أحمد يوسف أحمد مدير معهد البحوث العربية والمهندس أحمد بهاء شعبان أمين عام الحزب الاشتراكى المصرى وأحمد شرف عضو المكتب السياسى للحزب الشيوعى المصرى والمهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين والسفيرالدكتور مصطفى الفقى سكرتير خاص رئيس الجمهورية الأسبق، ومن أبرز أعضاء مجلس الشعب من المنظمة أبوالعز الحريرى وكمال أحمد والبدرى فرغلى الذين قاموا بأدوار برلمانية بالغة الأهمية للدفاع عن الكادحين والمطالبة بالعدالة الاجتماعية ومن قادة الحركة الجماهيرية المهندس كمال خليل، وكمال أبوعيطة وزير القوى العاملة السابق وسمير غطاس الذى إلتحق بمنظمة التحرير الفلسطينية وشارك فى الكفاح الفلسطينى المسلح وهو الآن عضو مجلس النواب وكمال القشيشى أمين عام الإدارة المحلية والدكتور منير مجاهد رئيس هيئة الطاقة النووية والشاعر حلمى سالم ورؤساء الاتحادات الطلابية منذ عام 69 حتى نهاية التسعينيات والمئات من هؤلاء الأعضاء تولوا رئاسة النقابات العمالية مثل فايز الكارته وعبدالحميد الشيخ وطلال شكر. هذا بخلاف من تولى الوزارة من أعضاء المنظمة وهم كثيرون، هذه الأسماء مجرد أمثلة للآلاف من أعضاء المنظمة الذين تولوا العديد من المناصب الشعبية والإدارية وهذا هو الفارق بين الأكاديمية التى سيكون أقصى ما تخرجه سنويا مائة شاب وبين المنظمة التى أنضجت مئات الألوف من الشباب.مصر فى حاجة إلى التجربتين لأنهما تتكاملان ولا تتعارضان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف