سئل الشيخ عطية صقر رحمة الله عليه عن حكم من يرتكب المعاصى ويهمل فى الطاعات ثم يقول : سأحج لأن الحج يغفر كل الذنوب؟. أجاب : قال اللّه تعالى { إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } النساء: 48، وقال صلى الله عليه وسلم « من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه » رواه البخارى ومسلم. وقال «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة » رواه البخارى ومسلم.
يقول العلماء : إن الذنوب منها كبائر ومنها صغائر، كما قال تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } النساء : 31 ، وقال تعالى { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } النجم : 32 ، والصغائر مكفراتها كثيرة، فإلى جانب التوبة والاستغفار يكفرها اللّه بأى عمل صالح ، قال تعالى { إن الحسنات يذهبن السيئات } هود : 114 ، وقد نزلت فى رجل ارتكب معصية وقال له النبى صلى الله عليه وسلم « أشهدت معنا الصلاة»؟ قال : نعم ، فقال له «اذهب فإنها كفارة لما فعلت » وقال صلى الله عليه وسلم « الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر» رواه مسلم ، وقال «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» رواه الترمذى بسند حسن.
أما الكبائر فتكفرها التوبة النصوح كما قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى اللَّه توبة نصوحًا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم } التحريم : 8، وكما قال بعد ذكر صفات عباد الرحمن وأن من يفعل الكبائر يضاعف له العذاب { إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يبدل اللَّه سيئاتهم حسنات وكان اللَّه غفورا رحيما} الفرقان : 70.
وبالنسبة للأعمال الصالحة غير التوبة فلا تكفر الكبائر، وعلى هذا قالوا : إن النصوص العامة التى فيها تكفير الأعمال الصالحة لكل الذنوب - كحديث الحج المتقدم - مخصوصة بالذنوب الصغيرة، أما الكبيرة فلا يكفرها إلا التوبة.
وليكن معلومًا أن التوبة لا تكفر الذنوب التى فيها حقوق العباد لأن من شروطها أو أركانها أن تبرأ الذمة منها، إما بردها لأصحابها وإما بتنازلهم عنها، وبالتالى فالحج أو غيره من الطاعات لا يكفر الذنب الذى فيه حق للعباد حتى تبرأ الذمة منه.
والذنوب التى هى حق للَّه فهى قسمان: قسم فيه بدل وعوض، وقسم ليس فيه ذلك، فالأول كمن أذنب بترك الصلاة أو الصيام فلا يكفر إلا بقضاء ما فاته من صلاة وصيام كما وردت بذلك النصوص الصحيحة، والثانى كمن أذنب بشرب الخمر مثلا، فإن مجرد تركه والتوبة منه يكفره اللّه تعالى، والتوبة تكون بإقامة الحد عليه إن كانت الحدود تقام ، وإلا فهى الإِقلاع عن الذنب والندم عليه والعزم على عدم العود.