الوفد
د. مصطفى محمود
«الهند» .. أمة من العباقرة
الهند من الدول التى أتمنى قضاء وقت كافٍ بين ربوعها لمعرفة سيكولوجية الشخصية الهندية؛ التى تجعل حكومتها توقع عقداً منذ عدة شهور؛ مع شاب هندى يبلغ من العمر 14 عاماُ لإنتاج طائرات دون طيار مضادة للألغام الأرضية. واللافت للنظر فى الهند أن العلم غير مقيّد ويتمتع بحرية مقارنة بالعديد من المجتمعات العلمية الأكثر تنظيماً وعراقة، وتلك الحرية هى التى تتيح للهنود مجالاً للمخاطرة وتجربة أمور مختلفة. تلك الدولة التى يوجد فيها أكبر عدد من الأميين فى العالم بنسبة 60%، أى أكثر من 700 مليون نسمة، أكبر مصدر للعلماء والمهندسين فى العالم.
ففى الهند نحو 400 جامعة تقدم لسوق العمل سنوياً قرابة مليونى خريج، بينهم 600 ألف مهندس. وهناك نحو 16 معهداً للتقنية تقدم هذا العدد الكبير من المهندسين والعلماء. وهذا ما يجعل كتاب «أمة من العباقرة» للكاتبة البريطانية من أصل هندى أنجيلا ساينى ذا أهمية خاصة لكونه يشير إلى كيفية صناعة العلماء والنابغين فى الهند، سواء من جانب الدولة، أو من خلال النمط التربوى المجتمعى فيها وفق خصوصيتها الثقافية؛ ودور التنمية البشرية فى تجربة الهند النهضوية مما جعلهم محترفين ومجتهدين ومهرة ومجدين ومهووسين بالكمبيوتر؛ إلى جانب نجاحاتهم العلمية فى المجال الكيميائى، حيث أنتجوا العقاقير التى تنقذ حياة البشر وتُباع فى أوروبا. وتفوقوا على الأمريكيين فى تصميم الشيفرات البرمجية للشركات الأجنبية فى الخارج.
وهذا ما جعل الدستور الهندى يحتوى على نص قانونى يحث على «أنه يجب على كل مواطن هندى أن يشارك فى تنمية الفكر العلمي»؛ لذلك ليس غريباً أن يصبح الهنود عاشقين للألعاب الرياضية الذهنية ويميلون إليها أكثر من ميلهم إلى الألعاب الرياضية البدنية. لذلك يحتلون المرتبة الرابعة على مستوى العالم فى الشطرنج. ومدينة بنجالورو فى جنوب الهند، تعد مركزاً تكنولوجياً مهماً؛ يعيش فيها ثلث العاملين فى مجال تكنولوجيا المعلومات فى الهند، فضلاً عن رواد علم الفضاء والباحثين فى مجال الدفاع والكيميائيين وخبراء التكنولوجية الحيوية.. وبرنامج «فيكرام سرابهاي» الفضائى الذى حقق للهند حلم الوصول إلى القمر، حيث استطاع مسبارها فى عام 2008 أن يتجول على سطح القمر لعدة أشهر، وأن تعود العقول العلمية الهندية المهاجرة لتشارك فى نهضة بلادها العلمية، وأن يتوجه ملايين الهنود الصغار إلى دراسة العلوم والهندسة، فأصبح مئات ألوف من طلاب العلوم الهنود هم الطاقة الفاعلة الحقيقية وراء ازدهار صناعة التكنولوجيا وتقنية المعرفة فى الهند.
ومثلما تفوقت اليابان فى مجال الأجهزة الإلكترونية، يتوقع الخبراء أن تصبح الهند رائدة فى مجال البرمجيات.. والرائع أن الهند فى طريقها الى تحقيق رقمنة المنظومة البيروقراطية أسرع مما يحدث فى الكثير من الدول الأكثر تقدماً؛ والسبب يرجع إلى أن التكنولوجيا فى الهند أرخص تكلفة، وأن مهندسى الحاسب الآلى أو العاملين فى القطاع الحكومى شغوفون بالتكنولوجيا. بالإضافة الى ذلك، فإن الحكومة الهندية تحرز نجاحاً فيما فشل فيه الآخرون. فهى بالفعل على وشك أن تصدر بطاقة هوية بيومترية لجميع الراشدين فى غضون عامين.
وفى ظل هذا المناخ العلمى أيضاً أصبح العقل الهندى معروفاً عالمياً، وأصبح للهند جيش من العلماء والمهندسين فى أنحاء العالم. ففى بريطانياً مثلاً واحد من كل خمسة من العاملين فى حقل الرعاية الطبية وطب الأسنان من أصل هندى، وثلث المهندسين العاملين فى منطقة وادى السليكون فى الولايات المتحدة هم هنود أو من أصول هندية، كما يدير الهنود 750 شركة من شركات التقنية هناك...إن الهند التى تعد من أكثر الدول المهتمة بعالم الروحانيات والتنمية البشرية تخطو خطوات سريعة وغيرة مسبوقة فى العلم والتكنولوجيا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف