الوفد
عباس الطرابيلى
زفة.. بسبب نصف جنيه!
كل الصحف المصرية نظمت زفة بكل أنواع الطبل والزمر بسبب ما أعلنته وزارة التموين عن تخفيض سعر كيلو السكر نصف جنيه.. أي أصبح سعر الكيلو ـ بعد التخفيض ـ تسعة جنيهات ونصف الجنيه.. حقيقة كان سعر السكر قد وصل الى 15 جنيها في السوق السوداء.. ولكن وصول السعر الآن الى ما أعلنته الدولة بشرة خير.. خصوصاً لعشاق الشاي الأسود الثقيل الذي يضع فيه المصري خمس ملاعق سكر!!
وهذه الزفة كنا نتمنى أن تخصصها الصحف من أجل محاربة جشع التجار الذين استغلوا فرحة عيد الأضحى وضاعفوا أسعار كل شيء.. وليس فقط أسعار اللحوم.. ولكن لأن من الصحفيين من أصبحوا مندوبين لوزارة التموين داخل الصحف، بعد أن كانوا ـ زمان ـ مندوبين لصحفهم لدى الوزارات.. وليس العكس!!
<< واللافت للنظر أن خبر خفض سعر السكر احتل مساحات على أربعة أعمدة.. دفعة واحدة.. ولو كانت هذه الصحف قد خصصت نصف هذه المساحات لمحاربة الجشعين من التجار.. لتحركت وزارة التموين بكل أجهزتها للضغط على التجار.. على الأقل لكي يراعوا ربنا.. ويراعوا الغلابة من المستهلكين!!
وأتذكر هنا ـ عندما احتكرت «الأهرام» أيام محمد حسنين هيكل الأخبار السياسية والاقتصادية بحكم قرب الأستاذ هيكل من السلطان.. طلب منا أستاذنا مصطفى أمين أن نهتم ـ نحن صحفيي دار أخبار اليوم ـ بمتابعة أخبار أسعار الخضر والفواكه.. ومرة كلفني مصطفى أمين بالذهاب الى سوق روض الفرج لأسأل عن أسعار الجملة هناك.. ثم أنطلق الى سوق العتبة ثم سوق التوفيقية لمقارنة أسعار روض الفرج بأسعار هذين السوقين لكي نكشف جشع التجار.. من نصف الجملة الى ربع الجملة الي القطاعي لكي نقول للناس إذا كان السبب هم تجار روض الفرج للجملة.. أم أن تجار التجزئة هم المتلاعبون.
<< وفي نفس الوقت كلف مصطفى أمين عدداً آخر من صحفيي الأخبار للانطلاق الى الأسواق الشعبية مثل المناصرة والسيدة زينب ومجموعة إلى أسواق مصر الجديدة.. وعدنا كلنا لنكتب أخبار ما حصلنا عليه.. وانعكس ذلك على توزيع جريدة الأخبار.. ويومها تعجب الأستاذ هيكل.. كيف تتفوق «الأخبار» توزيعياً على «الأهرام» رغم ما فيها من مانشيتات سياسية خطيرة..
<< ومن يومها كانت مجموعة كبيرة من صحفيي «الأخبار» ينطلقون «كل يوم» الى الأسواق.. واستمرت زيادة توزيع جريدة الأخبار واكتشفنا أن الناس يهربون من الأخبار السياسية الي أخبار الأسواق وما يأكلون ويشربون، بل اكتشفنا أن الناس ـ بعد أن عرفوا الأسعار في الأسواق الشعبيةـ يهربون من الأسواق الغالية الى الأسواق الشعبية.. وكان ما قمنا به ـ أيامها ـ ثورة في الصحافة وثورة في التوزيع وأصبحت جريدة الأخبار- أيامها- الصحيفة الشعبية الحقيقية.
<< ترى ماذا لو قدمت الصحف ـ هذه الأيام ـ هذه السياسة لفضح جشع التجار.. وتوجيه المشترين الى الأسواق الأقل سعراً.. هذا اذا كانت الصحف الآن تهتم بأخبار الناس.. أقصد أخبار أسعار ما يأكلون.. أما أن تتركز الصحف ـ الآن ـ على الطبل والزمر على قرارات مثل تخفيض السكر نصف الجنيه وتتجاهل ارتفاع الأسعار 50٪ وربما 100٪ فهذه ليست صحافة الجماهير.. بل هي صحافة السلطة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف