المصرى اليوم
ايمن الجندى
تفسير أبى زهرة لأفعال عمر
كما تلاحظون: أهم استدلالات المنادين بإمكانية تعطيل نص طالما يتفق مع المصلحة، إنما هو قائم على الاستدلال بأفعال عمر بن الخطاب فى أمرين: الأول هو تعطيل حد السرقة عام الرمادة، والثانى هو منع سهم المؤلفة قلوبهم.

والحجة قوية حقا، لأنه لا أحد ينكر فضل عمر، وفى الوقت نفسه لا أحد ينكر أنه فعل ذلك! عن نفسى كنت أعلم أن الشيخ محمد أبوزهرة قد رد على هذه الجزئية، ولكنى لم أصل إلى نص كلامه إلا الآن.

■ ■ ■

يقول أبوزهرة:

«بالنسبة لمسألة عدم قيام الحد عام الرمادة، وهو السنة التى اشتدت فيها المجاعة على المسلمين؛ فذلك لأن عمر وجد شبهة فى إقامته، ومن المقررات الفقهية: أن الحدود تدرأ بالشبهات، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا بالشبهات ما استطعتم)، والشبهة: أنه رأى السارقين فى حال جوع شديد واضطرار، ويعلـم كل فقير أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن من كان فى حال جوع يتعرض فيه للتلف إذا لم يأكل يباح له مال غيره بقدر ما يسد رمقه، وإذا منعه فقاتله فقتل صاحب الطعام لا دية فيه.

والقصة تنبئ عن ذلك، فإن غِلمان حاطب ابن أبى بلتعة سرقوا ناقة ونحروها وأكلوها، فهمّ عمر بأن يقيم الحد عليهم، ولكنه تبين له أن حاطباً يجيع غلمانه، فلم يقم الحد وغرّمه، أليس فى الخبر ما يدل على أنه درأ الحد بشبهة الاضطرار وقد اشتكوا إليه وثبتت صحة شكواهم، والعام عام مجاعة؛ ولذلك يقرر فقهاء الحنابلة وكثيرون غيرهم أن من شرط إقامة الحد فى السرقة ألا يكون السارق قد سرق طعامه فى مجاعة لمكان شبهة الاضطرار فى إقامة الحد.

■ ■ ■

وأما بالنسبة لسهم المؤلفة قلوبهم، فإن عمر بن الخطاب ما أسقط سهم المؤلفة قلوبهم، وما كان فى استطاعته أن يسقط نصا قرآنيا، ولكن عمر منع إعطاء أناس كانوا يأخذون فى عهد الرسول وعهد الصديق - كالزبرقان بن بدر وغيره - فهو ما اعتبر إعطاءهم حقهم مكتسبا، بل اعتبر مثل هذا العطاء موقوفا بحال الشخص وحال المسلمين.

وقد يقول قائل: (ولكنه لم يعط غيره)! ونقول: إنه رأى أنه لا موضع لتطبيق النص لعدم حاجة المسلمين إليه، ومثل ذلك سهم المدينين، فهل يعد إسقاطا للسهم إذا لم يجد مدينا يسد عنه؟ وكذلك سهم الرقاب فهل يعد إسقاطا للسهم إذا لم يوجد عبد مسلم يعتق؟

ولذلك قرر الفقهاء بالإجماع: أنه إذا وجدت حال يكون فيها إعطاء ناس تأليفا لقلوبهم فيه تقوية للإسلام، فإن النص القرآنى يجب الأخذ به».

■ ■ ■

انتهى كلام أبى زهرة ونخلص منه بالتالى:

١- إن عمر بن الخطاب على عظيم منزلته لا يملك، هو ولا غيره، أن يعطل نصا قرآنيا.

٢- وإن عمر فى الحقيقة لم يعطل النص، ولكنه وجد أنه لم يستوف شروط تطبيقه، هذه هى كل المسألة.

■ ■ ■

أما عن رأيى الخاص فأقول: لقد ارتضينا أن نحاكم السنة القولية بالقرآن. ولكن ماذا لو عطلنا النص القرآنى أيضا بدعوى المصلحة، ما الذى سيتبقى من شريعة الإسلام؟ ألا ترون أننا بذلك نمنح الجماعات التكفيرية مصداقية حين يقولون إننا نحارب الإسلام نفسه؟!

احذروا، فإن توهين نصوص القرآن دعوى خطيرة لا يؤمن عقباها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف