الأهرام
وفاء نبيل
هروب العيد الكبير!!
هرب العيد منا جميعا، سألنا جميع الأقارب والأصدقاء عنه، وكان الجواب واحدا: الكل لم يره، ولم يشعر أحد حتى بمروره.. ماذا حدث، هل كبرنا جدا، فصغرت أفراحنا بالأعياد، كما صغرت علينا ملابسنا ونحن أطفال، فلم نعد قادرين على الدخول فيها، والإستمتاع بألوانها الزاهية؟!
كذلك الفرحة صغرت حتى لم تعد تكفى لتغطية أرواحنا التى "ترتعد" من برد العلاقات.

لقد ظهر مصطلح جديد، تداوله بعض الناس فيما بينهم، أطلقوا عليه "إكتئاب الأعياد" وهو فى الحقيقة يحمل ظلما شديدا للأعياد، لأن هذا النوع من الإكتئاب الخفيف، يصاب به المرء غالبا كلما جلس وحده، ليراجع مشوار حياته، وطبعا الشيطان لن يتركه أبدا يتابع الأحداث الإيجابية فى حياته، بل حتما سيوجهه لكل ما هو سىء، ليغضبه، وينقمه على حياته، فيكفر نعم الله عليه، ولا يحمده، ويسلمه تسليما سهلا للحزن.

أما الأعياد فلماذا فقدت بهجتها، أو بمعنى آخر لماذا هربت منا، ولم نعد نجدها كما كنا نستشرفها عن بعد، ونعد لها الأيام عدا، فى طفولتنا، فهذا لأسباب كثيرة جدا، منها أن بعض من كانوا هم أعمدة حياتنا الجميلة رحلوا

وبرحيلهم بهتت، بعض ألوان الحياة فى عيوننا، ومنها أننا أصبحنا بديلا لتلك الأعمدة الراحلة، وحملنا نفس مسئولياتهم، ولكن فى ظروف أصعب بكثير من ظروفهم الماضية، فأصابنا الهم فى مقتل، لكننا لا زلنا نقاوم..

أختار بعض أحبائنا الغياب، رغم وجودهم على قيد الحياة، وأحيانا على قيد الجوار، بل والأخطر من هذا، أنهم قد يكونوا شركاء فى نفس السكن، توالت علينا بعض عثرات الحياة، فأضعفت بعضنا، ومن تركته قويا، جلدت مشاعره.

أذكر قصة قرأتها قديما عن رجل عاد لوطنه بعد غياب طويل، وعلم أن فتاته التى أحبها فى صباه، لازالت على قيد الحياة، فأتصل بها فى بيتها القديم، وعلم أنها قد ترملت، وأن أبنائها تركوها وسافروا، فطلب منها أن يقابلها، لأنه لازال يحبها، فذكرت له أنها تعرضت لأحزان كثيرة فى حياتها وأن شكلها تغير تماما، فألح فى طلبه، وأصر على أن يقابلها، فوافقت، لكن بشرط، أن تمر أمامه وتنظر إليه دون كلام، فإن لم يعرفها، عادت إلى بيتها فى هدوء، وأغلق هو صفحتها فى قلبه للأبد.

جاء الموعد، وانتظر الرجل ساعات طويلة، فلم تمر به محبوبته القديمة، فعاد إلى بيته، وحدثها عبر الهاتف، يعاتبها على عدم مجيئها، فقالت له، لقد أتيت، ووقع منك منديلك، وناولته لك، ونظرت فى عينيك بعمق، لكنك شكرتنى، ولم تعرفنى، فرحلت فى هدوء..

فهل فعل العيد بنا ما فعلته تلك المرأة العجوز، نظر إلينا، تأملنا بعمق، فلم نعرفه، لذلك رحل دون أن نشعر به؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف