م. حسين منصور
خميس والبقرى مأساة فى ضمير بلدنا
مصطفى خميس ومحمد البقرى هما أول شهداء الطغيان والاستبداد لحركة 23 يوليو.. فى هذه الأيام فى عام 1952 جرت أسوأ أحداث التنكيل بالشعب المصرى ممثلاً فى عمال شركة كفر الدوار.
< شركة كفر الدوار إحدى شركات بنك مصر وشقيقتها صباغى البيضا.. وكان لعمال كفر الدوار مطالب دائمة بخصوص الأجور والسكن وظروف العمل.. ولما كان عمال صباغى البيضا قد نجحوا بإضرابهم فى فرض مطالبهم على الإدارة يوم 12 أغسطس 1952 سعى عمال كفر الدوار لهذا وأعلنوا إضراباً فى مساء 12/8.
< أبلغ مدير الشركة المركز وقيادة الثورة.. شارك فى الإضراب ستة آلاف عامل لما لهم من خبرات نضالية عمالية وحرسوا الآلات والمولدات... حضرت قوة من المركز بقيادة المأمور وبادرت بإطلاق النيران فاستشهد عاملان... ثم حاصر المصنع قوات الجيش من المنطقة الشمالية بقيادة البكباشى عاطف نصار ثم تم اقتحامه والقبض على «567» عاملا.
< فى صباح اليوم التالى، قام نحو ثلاثة آلاف عامل بتنظيم مظاهرة سلمية خرجت لاستقبال محمد نجيب الذى أشيع انه سوف يأتى للمصنع.. خرجوا للإفراج عن زملائهم، مرت التظاهرة بعدة مواقع للجيش ولكن عند كوبرى «الكيلو 5» فوجئ المتظاهرون بإطلاق النار عليهم من قوة الجيش التى تحرس الكوبرى.. سقط شهيد وجرحى من الطرفين وانضم خميس لتلك التظاهرة عرضاً وهو ذاهب للمصنع وشارك فى الهتاف والتنظيم.
< فور وقوع الإضراب انعقد مجلس قيادة الثورة وأصدر مرسوماً بقانون لتعديل قانون الأحكام العرفية بما يسمح بمحاكمة العمال أمام مجلس عسكرى مكون من ضباط.. وكانت تلك المحاكمة أول محاكمة عسكرية للمدنيين.. وصار نهجاً لما بعد 23 يوليو.
< تشكلت المحكمة العسكرية من الضباط «عبدالمنعم أمين ـ حسن ابراهيم ـ جمال القاضى ـ فتح الله رفعت ـ محمد بدوى الخولى ـ محمد عبدالعظيم شحاتة وممثل الاتهام عبده عبدالمنعم مراد».. تم التحقيق مع «567» فى أقل من يومين بدون وجود محامين وانعقدت المحكمة فى 17/8/1952 وعندما سئل خميس عن محاميه نفى فقال رئيس المحكمة مفيش محامى فنطق موسى صبرى أنا صحفى من الأخبار أتابع القضية ومعى ليسانس حقوق فقال له رئيس المحكمة ماشى كله ينفع فأصبح الصحفى محاميا للمتهم الأول.
< أصدرت المحكمة أحكامها يوم 18/8/1952 بإعدام مصطفى خميس ومحمد البقرى والأشغال الشاقة المؤبدة لــ29 آخرين.. وتم تنفيذ الحكم فى 7 سبتمبر 1952... و لم تستدع ولم تأخذ المحكمة بشهود النفى الذين طلبهم المتهم الأول وجرت المحكمة وأصدرت أحكامها فى فناء ملعب الشركة بحضور المتهمين أمام عمال الشركة الذين أجلسوهم القرفصاء لإرهاب الجميع وتوجيه رسالة لمن تسول له نفسه بالخروج أو مجرد التعبير عن رأيه.
< لم تحدث تلك الطريقة من المحاكمة على أرض الواقع سوى فى دنشواى... فكانت مذبحة كفر الدوار دنشواى جديدة ولكن تحت حكم مصريين..!!
< ذكر عبداللطيف البغدادى موافقة جميع أعضاء مجلس الثورة على الأحكام ونفى آخرين بأن عبدالناصر وخالد يوسف صديق رفضا وفى الحقيقة أن هذا حديث عبثى لا طائل منه فقد سبق للمذكورين الاحتجاج على قتل الملك أو على ماهر ولم يفعلوا فالرفض يعنى التدخل والحيلولة دون حدوثه، أما عدا ذلك فهو حديث لا طائل منه وستظل دماء العمال الأبرياء عالقة بكل من سمح بتلك المهزلة الافتتاحية لمسيرة طويلة لانتهاك الحريات وحقوق الإنسان فى بلادنا.
< رحم الله خميس والبقرى ولا شك أن هناك دعوات متعددة لرد الاعتبار لهما والاعتذار عن تلك الجريمة البشعة ولقد قدم كامل القليوبى فيلماً وثائقياً عن تلك الكارثة وأعتقد أن الدعوة الجادة لرد الاعتبار هى واجب وطنى عام لبداية مسيرة حقيقية لحقوق المواطن وحرياته واعتذار الدولة عن اقتراف تلك الخطايا.