الدستور
ماجد حبته
غباء «سياسي» لن يضر صاحبه!

تكاد تكون تلك هي المرة الأولى التي تواجهنا فيها تلك المعضلة.. وزير، قد لا يختلف اثنان على كفاءته وعلى أهمية ما أنجزه إلى الآن، لكنه غبي سياسيًا، للدرجة التي جعلته يوجه اتهامات وإهانات بالغة لكل (كل) العاملين بالوزارة التي يحمل حقيبتها!. ولا أعتقد أنك ستختلف معي في عدم وجود أي قدر من الذكاء (السياسي، أو في المطلق) لدى مَن يقول إن: «نصف الوزارة إما حرامي، والنصف الثاني حرامي ومش كفء أيضًا»!.

علامة التعجب من عندي، وسببها دهشتي وصدمتي من أن يكون القائل هو طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، الذي لا أُخفي إعجابي بـ«دماغه» وقناعتي بأن لديه حلولًا، سمعتها منه وقرأتها نقلًا عنه، لكل «اللوغاريتمات» التي لن ينصلح حال التعليم إلا بحلها. حتى هذا الحوار الذي أجراه زميلنا رفعت فياض ونشرته «أخبار اليوم»، وتضمن الاتهامات والإهانات البالغة للوزارة، كل الوزارة، وغيرها من العبارات «المنفلتة». حتى هذا الحوار، به كثير من الأفكار المدهشة التي تستحق ما هو أكثر من الإعجاب. ولا أجدني مبالغًا لو قلت إنه قد لا يخسر شيئًا لو استقال، بينما سنخسر نحن كثيرًا إنْ فعل!.

كيف، إذن، يتم حل تلك المعضلة؟! هل كان من الممكن تدارك الأمر بالاعتذار لمن طالتهم الاتهامات والإهانات، ويُرجعها، مثلًا، إلى انفعال زائد، عجز عن ضبطه أو السيطرة عليه؟!.

لا أعتقد أن الاعتذار كان كافيًا، ولا أرى أن مَن لا يستطيع السيطرة على انفعالاته وانتقاء كلماته، يصلح للتصدي للعمل العام، كما أن الصيغة التي حاول بها المتحدث الرسمي باسم الوزارة الخروج من المأزق، جعلت ظهر كليهما، المتحدث والوزير، ملتصقًا بالحائط!، وبالمناسبة، لا أعرف المتحدث باسم الوزارة، شخصيًا، ولم أسمع عنه، من أصدقاء مشتركين، إلا كل خير.

ضد العقل ويخاصم المنطق أن يتم تبرير الإهانات والاتهامات وغيرها من العبارات «المنفلتة» التي تضمنها الحوار بأن «تصريحات الوزير كلها خرجت عن سياقها وتم اجتزاؤها من قبل البعض»، كما زعم «المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم»، في تصريحات نقلتها عنه عدة صحف ومواقع إلكترونية، رد عليها زميلنا رفعت فياض بالتأكيد على أن ما ورد في نص الحوار «مسجل وصحيح ولم يُجتزأ أو تُضاف إليه أي نصوص لم ترد على لسان الوزير».

بالعودة إلى السياق، سنجد أن الوزير قال بالنص، أو نقلت عنه الجريدة ما نصه: «أنا أطرح لك المشاكل بوضوح، ولن تجد أحدًا في هذا المكان يجلس معك ليقول لك هذا الواقع الذي نحن فيه الآن.. وأنا لست متعودا أن أصدر تصريحات بهدف أن أريح الناس وفقط دون إنجاز واضح وطبعًا لن يريح أحد من أولياء الأمور عندما تتحدث معه عن المجانية في التعليم غير الموجودة حاليا، ولهذا أقول للجميع من يريد أن يطور بشكل حقيقي لابد أن يأتي ويستمع لي ونبحث عن حلول».

إلى هنا، والكلام ـ كما ترى ـ جميل ومعقول ولا نستطيع أن نقول شيئًا عنه. لكن بعد «فاصلة» وليست «نقطة»، أضاف الوزير: «أما إذا كان يرفض التغيير ويقبل أن يكون هنا ١٤٠ طالبًا أو تلميذًا في الفصل فيجب على مثل هؤلاء ألا يفتحوا أفواههم بكلمة انتقاد واحدة لأنه لم يعد هناك شيء (ببلاش)، وأنا أستنكر المُدرس الذي لا يهمه سوى زيادة راتبه ويعلو صوته مع أنه غير كفء، وأنا لست في حاجة إليه، ونصف الوزارة إما حرامي، والنصف الثاني حرامي ومش كفء أيضًا ولا أستطيع أن أضحك على الجميع، وأقول إن مصر دولة رائعة وبلد جميل ونتصف بالشهامة، وأنا لا أستطيع أن أكذب على أحد أو أكذب على نفسي....... إلخ».

بما أن تلك هي «رأس الميت»، فإن البكاء بعيدًا عنها، يكون بلا طائل، ويكون الاحتمال الأوحد والوحيد، الذي يجعلني أتراجع (وأعتذر) عن اتهامي للوزير بالغباء، الغباء السياسي، هو أن يكون تفريغ الحوار غير دقيق، كأن يكون قال مثلًا: «نصف من يعلو صوتهم...... إلخ»، وأترك لك حرية الاجتهاد وافتراض العبارات أو الكلمات التي ربما تكون سقطت، سهوًا أو عمدًا!.

شخصيًا، أتمنى أن يكون «السهو» هو المسئول عن تلك «السقطة»، مع التسليم بثقتي في مهنية ومصداقية زميلنا رفعت فياض، وهو لمن لا يعرف أقدم وأكبر المتخصصين في شئون التعليم. لكن ثقتي، وحدها، لا تكفي لنفي حدوث خطأ أو سهو. وحسمًا للأمر، وفي ظل غياب أي دور لـ«نقابة الصحفيين»، أرى أن يتدخل زميلنا كرم جبر، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، ويعقد جلسة يحضرها الطرفان، فياض والوزير، ويسمع بنفسه ما جاء في الحوار، ويصدر بيانًا يعلن فيه مدى مطابقة ما تم نشره لما جاء على لسان الوزير.

ولا يبقى غير أن نهمس في أذن زميلنا الكبير رفعت فياض بأنه لم يكن موفقًا حين قال إنه نشر نحو ٧٥٪ من الحوار، ولم ينشر الباقي لأن «به تصريحات قد تؤدي إلى إقالة الوزير»، إذ إن الحوار، فور إيقاف تشغيل جهاز التسجيل، يكون ملكًا للقارئ لا للمحاوِر أو المحاوَر (الأولى بكسر الواو والثانية بفتحها). ولو تجاوزنا عن مشروعية أو لا مشروعية حجب بعض ما فيه، لضرورات تخص أحدهما أو كليهما، فلا يصح ولا يليق استخدام ما تم حجبه في التهديد أو الوعيد.. ولا أقول «الابتزاز»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف