الدستور
منى حلمى
السبسى.. أتاتورك جديد من أرض تونس الخضراء
المعركة الدائرة اليوم، بين أنصار المرونة، والاستنارة الدينية، وبين أنصار جمود، وانغلاق الفكر الدينى، على خلفية قرارات السبسى، رئيس تونس، تذكرنى بالزعيم، مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس جمهورية تركيا الحديثة، ودستورها العلمانى، فى ٢٩ أكتوبر ١٩٢٣. وكم من التشابه بين هذين الزعيمين.
أدرك مصطفى كمال أتاتورك ١٩ مايو ١٨٨١ - ١٠ نوفمبر ١٩٣٨، أن بناء تركيا الحديثة، يبدأ حتميًا، بالقضاء النهائى على خلافة آل عثمان، التى تورث الحكم السياسى، بشرعية دينية، للخليفة، باعتباره «ظل الله فى الأرض».
وفعلا، ودون مهادنة، ودون الإمساك بالعصا من المنتصف، ودون اتخاذ مواقف رخوة، متأرجحة، ودون سياسات مرتعشة، متناقضة، بدأ أتاتورك، مثل السبسى، حربه الضارية.
كان أتاتورك، مثل السبسى، يؤمن بأن اختلاط الدين، بالسياسة، وقوانين المجتمع، أشبه بالخلايا السرطانية، التى تتكاثر، وتنتشر، وتغزو، منذ لحظة، اختراقها للجسد. وبالتالى، فإنها تستلزم الاستئصال، والقطع، والحرق، من الجذور، وفى كل مكان، دون هوادة.
انتصر أتاتورك، فى معركته الحضارية، على «خلفاء الله فى الأرض»، وسلاطين الدولة العثمانية، والإمبراطورية الإسلامية العثمانية، الممتدة، فى كل الاتجاهات، وكانت تركيا هى مركزها، لمدة أكثر من ٦٠٠ سنة، حيث أسسها عثمان الأول، سنة ١٢٩٩. وهى نفسها الحرب، التى اختار السبسى، أن يخوضها، بإصرار، وشجاعة، أتاتورك.
تم إعلان الجمهورية التركية الحديثة، ودستورها العلمانى، فى ٢٩ أكتوبر ١٩٢٣. وتوالت الإنجازات الأتاتوركية، مثل وضع قوانين مدنية، لتنظيم وحكم المجتمع، وإلغاء المؤسسات الدينية، وإلغاء المحاكم الشرعية، وإحلال الأبجدية اللاتينية، محل الأبجدية العربية، وإقرار المساواة بين المرأة والرجل، وتغيير قوانين الأحوال الشخصية، فى الزواج، والطلاق، والميراث، من أحكام دينية، الى أحكام مدنية. الدرب نفسه، الذى يسير عليه، السبسى.
منذ قراءاتى الأولى، فى تاريخ الشعوب، وأنا أعشق، أتاتورك، وأحلم، بأن ننعم، بزعيم، وقائد، وثائر، مثله. بل إننى على قناعة راسخة، تزيد كل يوم، بأن «الخلاص»، لبلادنا من تخلفها، وتأرجحها، وذكوريتها، ومهادنتها، للتيارات الدينية الجامدة، السلفية والإخوانية الوهابية، لن يحدث، إلا بأتاتورك مصرى، أو عربى. وها هو جاء من أرض تونس الخضراء. سبقتنا تونس، بل سبقت كل البلاد العربية، بفضل حكم بورقيبة ٣ أغسطس ١٩٠٣ - ٦ أبريل ٢٠٠٠، فى ضرب القوانين الذكورية المتخلفة، التى تعتبر المرأة، جارية، مملوكة، ومتاعًا جاهزًا، لإرضاء رجال غير أسوياء، فى إنسانيتهم فساد، ونهم جنسى مخجل، لا يهدأ.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف