التحرير
سامح عيد
واتبع أحسن ما أنزل إليك
يقول الله في كتابه الكريم:
(وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) (55) سورة الزمر.
نحن في حاجة ماسة لتجديد الفكر الديني بشكل كامل وإلا فالطوفان قادم وبقوة لا يتخيلها أحد.
هل لدينا أزمة في المدوَّن في كتب التراث؟ بالتأكيد لدينا أزمة كبيرة وعميقة.
هل لدينا أزمة في المؤسسة الدينية وطريقة معالجتها للأزمة الأولى؟ بالتأكيد لدينا أزمة منهجية كبيرة للغاية.
التدوين لم يكن بعيدا عن الهوى السياسي الذي صاغ مرحلة من أصعب مراحل التاريخ الإسلامي، من صراعات ونزاعات على السلطة ومواجهة تمردات كثيرة من هنا ومن هناك.

الشيعة حلوا مشكلتهم بفكرة عدم الانقطاع الكامل بين السماء والأرض وأن الأئمة ربما لا يوحى إليهم ولكن عن طريق الإلهام يستمدون إشارات من السماء، وكلامهم بمستوى الوحي الإلهي يرشدون أتباعهم ويصوغون حياتهم ويحلون مشكلاتهم الآنية بحلول لها حجية التشريع، ولكن أهل السنة وجدوا أنفسهم في مأزق كبير فالأحداث متلاحقة والظروف متغيرة والمشكلات والأزمات متتابعة، فتصدى الفقهاء لهذه الأزمات بما سموه القياس أو الاجتهاد أو المصالح المرسلة، ولكن الكذب على النبي لم يكن بعيدا عن الأمر، باعترافهم، فعندما يحفظ البخاري 600 ألف حديث ويستخلص منها 7 آلاف فقط أكثر من نصفها مكرر، وهذا النصف في حاجة إلى مراجعة كبيرة فنحن أمام كم هائل من الكذب على الرسول، وكتب الموضوع من الحديث أكثر بكثير من كتب ما أطلق عليه الصحيح وأكثر ما يقال على المنابر هو من المعروف وضعه، وعلى سبيل المثال لا الحصر "الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" وتقال على المنابر لأنها على هوى الخطباء وهم يعرفون حقيقة وضعها. في ظل هذه الصياغة التي صيغت في جزء ليس هينا منها على هوى سياسي، أصبحنا أمام مأزق كبير، سنة وتاريخ يحرض على العنف، وتروى قصص ومرويات يغلب عليها جلافة البداوة وتنسب إلى النبوة، فثمة مرويات مشبوهة -وفي ظني مكذوبة على النبي كالقتل الغدر لكعب بن الأشرف أو قتل عصماء بنت مروان بطريقة لا تقل بشاعة، لأنها قالت شعرا ضد النبوة ولم يذكر لنا أحدهم تلك الأبيات التي قتلت صاحبها رغم أن جميعنا يحفظ بيت الشعر الذي قتل صاحبه وهو المتنبي:
«الخيل والليل والبيداء تعرفني *** والسيف والرمح والقرطاس والقلم

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي *** وأسمعت كلماتي من به صمم».

ومروية كالتي تتحدث عن شق جسد أم قرفة إلى نصفين عن طريق ربط ساقيها في حصانين يسيران في اتجاهين متضادين من قبل زيد بن حارثة وإرسال رأسها إلى المدينة لتعلق أو حتى ثيابها في رواية أخرى، فضلا عن مرويات كالتي تتحدث عن ذبح بني قريظة والكشف عن عورات الغلمان، فمن أنبت قتلوه، ضد النص القرآني (ولا تزر وازرة وزر أخرى" والحديث المروي 14 مرة في البخاري عن هؤلاء البدو من أهل الصفة الذين سرقوا الإبل وقتلوا الراعي والادعاء بأن الرسول قطع أيديهم وأرجلهم ليس من خلاف، بل اليدين والرجلين ثم سمل أعينهم بالمسامير المحمية ثم تركهم يستسقون فلا يُسقون حتى أصبحوا يعضون الأرض من العطش حتى ماتوا.

أو الادعاء بأن النبي قال "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم" أو "جعل رزقي تحت ظل رمحي" أو "جئتكم بالذبح".. الكل يعرف أن كل هذه المرويات ظنية الثبوت وكثير منها بمستوى ظني متدن وكثير من تلك المتون بها ثغرات كثيرة وهي أقرب إلى حكاوي القهاوي منها إلى الروايات المتماسكة، منها قتل كعب بن الأشرف ولا مجال للتفصيل، لأني ذكرتها في مقالات مستقلة.

وإذا جئنا إلى القرآن وهو قطعي الثبوت، كما يؤكد العلماء، ولكن في أغلبه الأعم ظني الدلالة، وهو إلى المتشابه أقرب منه إلى المحكم، ففي الوقت الذي تجد فيه 240 آية عن القتال فإن به 120 آية عن الرحمة والحوار والحرية "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" في الوقت الذي شرعنت فيه المرويات لحد الردة "من بدل دينه فاقتلوه" ولكن التراث وتحت ضغط الهوى السياسي ادَّعى أن آية السيف نسخت كل آيات الرحمة والحرية والعدل.. (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (5) سورة التوبة.

(قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (29) سورة التوبة.

والمشكلة أن المؤسسة الرسمية رافضه لفكرة تاريخية النص التي أسس لها كثير من المفكرين، وآخرهم نصر حامد أبو زيد والذي كفَّره الأزهر ودفع بقضية للتفريق بينه وبين زوجته، ومصرون على اعتماد نظرية الشافعي "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، بمعنى أن النص القرآني أثره وإلزامه ممتد ومتجاوز للزمان والمكان، بما يجعل ما يفعله داعش هو الأقرب إلى صحيح الدين من منطلق هذه النظرية.

مصممون على تحصين كتب الأحاديث (المرويات) بما فيها من لغط وعنف وتجاوز، ومصممون على اعتماد مرويات السيرة وبها كثير من العنف وهي أكثر ضعفا وهشاشة من مرويات السنة، ومحاولة تحصين ما يطلق عليه علم الرجال الذي اعتمد عليه لتحصين المرويات على أساس أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو أكثر هشاشة من بقية العلوم، وآية واحدة كفيلة بهدمه من الأساس وهي (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) (101) (وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (102) سورة التوبة.
لقد بنوا علومهم على أساس أن كل الصحابة عدول وبدأوا التجريح والتعديل من التابعين رغم أن الآية واضحة في أن المنافقين لا تعلمهم والحديث للنبوة والبقية من الصحابة يخلطون العمل الصالح بالسيئ، عسى الله أن يتوب عليهم، حتى المنافقون الذين علمهم الرسول وعلمهم حذيفة لا نعلمهم وسمي كاتم سر الرسول، فلا نعرف الصحابة الذين بنوا مسجد الضرار ولا الذين رجعوا من المعركة يوم أحد ولا الذين تخلفوا في غزوة تبوك، كل ما نعرفه هو شخص واحد هو عبد الله بن أبي بن سلول، وهذا الشخص الوحيد كفنه الرسول في جلبابه ودعا له.
وجب علينا أن نعيد النظر في الموروثات ورد كل ما يحتوي على عنف ظاهر بلا تردد، أما ما في القرآن فوجب علينا رده إلى زمنه وظروفه وسياقه، لأنه بالطبع من حقنا الحروب الدفاعية للدفاع عن الأوطان والأعراض، أما فكرة الحروب الاستباقية وما يسمى جهاد الطلب، وهو الحرب لتكون كلمة الله هي العليا، فلا محل لوجودها الآن، ويجب التأسيس بجدية لهذه المفاهيم الإنسانية وترسيخها في نفوس وعقول الأجيال القادمة إذا أردنا أن نصنع تدينا جديدا على أسس عقلانية وإنسانية فإذا كانت أجيال سابقة من جدودنا ذهبوا بالتدين إلى العنف والقسوة والشراسة، فإنه قد وجب علينا أن نعيد أنسنة التدين من جديد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف