المصريون
جمال سلطان
ميانمار .. مأساة الروهينجا التي فضحت الجميع
لا أجد تفسيرا مقنعا لذلك الخذلان الذي تتعامل به دول عربية وعالمية عديدة مع مأساة المسلمين في ميانمار ، "أقلية الروهينجا" ، خاصة بعد أن امتلأت وكالات الأنباء والصحف العالمية والفضائيات بالتقارير المروعة عن عمليات القتل الجماعي وحرق قرى بكاملها وقصف الطائرات للأطفال والنساء والبيوت والمزارع وأعمال الاغتصاب التي تتم ضد النساء وعمليات التهجير الممنهج والتطهير العرقي ، وكل ذلك على يد قوات من الجيش الحكومي مع ميليشيات بوذية مسلحة مع غوغاء من الجمهور الذي يحركه رجال دين بوذيون متعصبون يحرضونهم على القتل والتنكيل والتهجير .
ميانمار (بورما) ليست دولة عظمى ولا حتى دولة من الدول متوسطة القيمة والقامة والقدرة والشوكة ، هي دولة هامشية فقيرة بائسة تديرها طغمة عسكرية فاسدة ، تعيش على صدقات الصين وتأجير أراضيها للأعمال القذرة من قبل هذه الدولة أو تلك ، وبالتالي فإن صمت الدول العربية والإسلامية أو ضعف ردود أفعالها ، فضلا عن الغياب شبه التام للمؤسسات الإسلامية الإقليمية والدولية هو أمر مثير للأسى والاكتئاب فعلا .
التقارير الأخيرة تقول بأن أكثر من عشرة آلاف مواطن من أقلية "الروهينجا" المسلمة يفرون يوميا من الموت إلى بنجلاديش القريبة بحثا عن ملجأ أو ملاذ أو مخيم ، والمراسلون الأجانب الذين زاروا تلك المخيمات والملاجئ يصفونها بأنها غير آدمية ، وتنتشر فيها الأمراض ، ويموت الأطفال جوعا وعطشا ومرضا ، والعالم يشاهد هذه المأساة وكأنها فيلم هوليودي ، وليست جريمة تمارس على مدار الساعة ، على الرغم من أن الأمم المتحدة تلقت تقارير من منظمات تابعة لها تؤكد أن هناك مذابح مروعة تحدث وعمليات اغتصاب وقتل جماعي وحرق للبيوت والقرى وقصف للمدنيين وتهجير منهجي يقوم على تطهير عرقي صريح ، وأصدرت تلك التقارير فعلا .
أين وزارة الخارجية المصرية من تلك المأساة ، وهي التي لا تتأخر عن إصدار البيانات الغاضبة عن أحداث تجري في أمريكا اللاتينية أو شمال أوربا ، إن مسئولية مصر تجاه المسلمين في ميانمار هي مسئولية مباشرة ، بحكم احتضانها للمؤسسة الدينية الإسلامية العالمية التي ترعى شؤون المسلمين في العالم وتتحمل قضاياهم وتمثل مرجعية روحية ودينية لهم ، مؤسسة الأزهر الشريف ، فهناك التزام مصري أخلاقي وتاريخي تجاه الأقليات المسلمة في العالم ، مصر مسئولة عنهم بالدرجة الأولى ، وكذلك منظمة المؤتمر الإسلامي وبقية الدول العربية والإسلامية ، بما في ذلك تركيا التي لم ترق ردود فعلها حتى الآن عن الجانب الإنساني ، وتقديم الرعاية للاجئين ، هذا لا يكفي ، تركيا ليست دولة صغيرة حتى يكون موقفها أمام تلك المأساة رمزيا أو إنسانيا ، وإنما يستحق هؤلاء الملايين المهددون بالموت تحركا سياسيا ضاغطا ، إقليميا ودوليا .
ميانمار تحظى برعاية صينية خاصة ، لاعتبارات عديدة ، منها الارتباطات العسكرية والاقتصاديات السوداء ، وهذا ما يجعل بعض الدول العربية والإسلامية تتعامل بحذر وأدب مبالغ فيه مع المأساة ، حتى لا تغضب الصين ، غير أن الحقيقة أن الصين لو وجدت موقفا صارما من العالم العربي أو الإسلامي لأوقفت تلك المذابح والجرائم في ساعات قليلة ، لأن ميانمار لا تخرج عن طوعها ولا تملك طاقة على مخالفة إرادة الصين السياسية .
مؤسف جدا أن تكون رئيسة ميانمار الحالية "أون سان سو تشي" ، هي التي تشرف على هذه الجرائم الوحشية أو تتواطأ على سترها ، وهي السيدة التي حصلت على جائزة نوبل للسلام ، بعد صراعها الطويل مع الطغمة العسكرية التي كانت تحكم بورما ، وما زالت ، إنه السقوط الأخلاقي ، والتنكر للإنسانية بعد أن ينال أحدهم مراده منها ، ولعل هذا ما فتح باب الدعوة التي تتسع يوميا الآن لسحب الجائزة منها ، لأنها لا تشرفها ، بل وتطعن في مصداقيتها .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف