المصرى اليوم
غادة شريف
هو ربنا بيتضحك عليه؟!
فى عالم الحيوان وعالم الحشرات والقوارض والزواحف وكل ما يلد وما يبيض تجد الكائن من دول عندما يصيبه أذى أو ضرر من مكان ما أو فعل ما فمن المستحيل أن يقربه مرة أخرى، إلا فى عالم الإنسان!..

الغلط يتكرر مرة واثنتين وعشرة.. كل فاسد يقع يتفرج على وقعته فاسدون آخرون لكن كل واحد منهم لديه ثقة أنه لن يقع أبدا.. من أين أتته هذه الثقة؟.. ما تعرفش!.. كل من يتولى منصب ما إن يجلس على كرسيه إلا ويتصور أنه عقد عقدا مع الله وأنه لن يعاقبه على ظلمه مثلما عاقب من قبله.. جابها منين هذه الثقة؟.. برضه ما تعرفش!..

ورغم أن كتابنا الكريم كله حكايات عن أقوام كانت موجودة بالفعل منها من آمن ومنها من صلح ومنها من غوى، ويحكى لنا كيف كانت عقوبة من غوى إلا أن فى عصرنا الحالى هناك من يصر على أن كل هذه العقوبات هى «حكايات» وأنها لن تحدث له!..

لذلك تعجبت جدا من خبر ورد فى جميع وسائل التواصل عن قيام 440 نائبا وأسرهم للحج وحجزهم طائرة كاملة والتى تعطلت فى بداية الرحلة ثم استأنفتها بعد الإصلاح!.. تعجبت أيضا من خبر أن رئيس الوزراء سافر يحج، وهو الذى لم يحرص قبل سفره على صرف المعاشات لمستحقيها قبل العيد!.. وجدتنى أسأل نفسى وأتساءل: هو ربنا بيتضحك عليه؟!..

يعنى إنت تروح تعمل كل ما بدا لك من الأذى والابتعاد عن المسار المرجو منك ثم تعتقد أنك بالحج ستسقط عنك الذنوب؟!.. تروح ترتشى مثلا لتسمح بمخالفات تودى بحياة أبرياء ثم تظن أن الحج سيغفر ذنبك؟.. هذه هى مشكلة الكثيرين منا من غير المثقفين فى دينهم!.. يتصرفون مثل عادل إمام فى فيلم «مرجان أحمد مرجان» عندما ظن أنه سيستطيع أن يرشى ربنا أيضا بالإكثار من الصلاة والذبائح!.. والحقيقة كل هؤلاء يفعلون حقا يراد به باطل، فهم يستندون إلى الآية الكريمة «إن الحسنات يذهبن السيئات»، لكنهم بجهلهم الشديد لا يعلمون أن من شروط قبول التوبة هو إصلاح الأذى الذى ترتب على ما اقترفوه من خطايا، ومن الشروط أيضا هو عقد النية والعمل على عدم العودة لذات الذنب أو ما شابهه!..

الكثيرون بجهلهم الشديد لا يعلمون أن الحج يظل معلقا بين السماء والأرض طالما أنهم قاموا به دون إعادة حقوق العباد، وفى كل مرة ينادى الحاج فى طقوس حجته «لبيك اللهم لبيك» تجيبه الملائكة «لا لبيك ولا سعديك حتى تعيد ما فى يديك»!.. ولست أدرى يا حمادة مين الحدق الذى أفتى لكل هؤلاء أنهم يعملوا ما بدا لهم من أخطاء وأن الحج سيمحوها، فالمفاجأة التى تنتظرهم للأسف إن ربنا ما بيتضحكش عليه!.. كثيرون جدا هؤلاء الذين يرتكبون الأخطاء استنادا إلى أن باب التوبة مفتوح ولا يعلمون الآية الكريمة: «يا أيها الإنسان ما غرَك بربك الكريم».. الاغترار بالله هو الفخ الذى يقع فيه معظم الناس، فهناك فرق يا حمادة بين التوبة الحقيقية التى لا تعود بعدها للخطأ، والتوبة «الكلَيشنكان» التايوانى!..

العجيب يا حمادة أنك تجد أيضا هذا الأسلوب فى التفكير حتى على المستوى العائلى.. تجد العم الذى لا يترك فرضا إلا صلاه جماعة فى المسجد وفى نفس الوقت يسعى لأكل حقوق أبناء أخيه.. تجد الأخ الذى يحرص على الحج عدة مرات وينساق خلف زوجته فيؤذى أخته.. تجد الإعلامى أو السياسى الذى يغرق حتى أذنيه فى العلاقات النسائية لكنه حريص أشد الحرص على الحج سنويا - معزوم طبعا!.. ناس تقولك لازم نحافظ على التوازن، والحقيقة يا حمادة أنه لا يوجد توازن أصلا لأن توبتهم تايوانى، وخصوصا أنهم جميعا يعودون على وضعهم فيما كانوا يفعلونه قبل الحج، بل ربما تجدهم يظنون أنهم يوم الحساب سيستشهدون بصورهم السيلفى فى الحج!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف