الوفد
علاء عريبى
حقيقة التعذيب في القبور
فى نهاية التسعينيات.. انشغلت لفترة غير قصيرة بالبحث عن حقيقة ما يقال عن تعذيب القبر، هل بالفعل سوف نعذب؟، وهل سيكون العذاب عقابًا لذنوب بعينها أم على جميع ما أسرفنا على أنفسنا فيه؟، وهل ستستمر عملية التعذيب منذ الوفاة وحتى يوم الحشر؟، وماذا عن الذين ماتوا قبل آلاف السنوات، والذين سيموتون قبل القيامة بأيام أو بشهور أو بسنوات، هناك تفاوت كبير بين الموتى فى سنوات التعذيب؟، وماذا عن عقاب الآخرة؟، هل التعذيب الذي نتلقاه في القبور سوف يخصم من عذاب الآخرة؟، هل سيخفف عنا عقوبة الآخرة؟..
بداية.. يجب أن نتفق على أن هذه المسألة من الغيبيات، وليست معلومة بالضرورة، ولا يمكن لأحد أن يثبتها أو ينفيها سوى من خلال القرآن والسنة النبوية، وما وصلنا لا يقطع بالتعذيب فى القبر، الآيات القرآنية ليست قطعية الثبوت والدلالة، والأحاديث المنسوبة للرسول معظمها عن المشركين والكفار.
مثل أي باحث تجردت من أية قناعات سابقة، وجمعت ما ذكر القبور فى الكتب الصحاح (طبقًا لتصنيف المقدسي 507هـ) الستة : البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وأضفت إليها ما جاء فى: أحمد، والدارمى، وموطأ مالك، وقمت بترتيبها وتصنيفها حسب الراوي والواقعة، وكانت المفاجأة فى محدودية الوقائع، بالكاد يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة، وأن معظمها يخص المشركين، عدا حديث سعد بن معاذ(ت 5هــ) الصحابي الجليل، وحديث الجريدة الخضراء.
أهم واقعة ضمن هذه الوقائع، وتعد العمدة لدراسة مفهوم عذاب القبر، الواقعة التى جمعت السيدة عائشة ومتسولة أو خادمة يهودية، وقدر سمعها من عائشة: مسروق(62هـ)، عروة بن الزبير(ت 94هـ)، عمرة بنت عبدالرحمن(ت 106هـ)، وجسرة بنت دجاجة، وذكوان(ت 130هـ)، تفاصيل الرواية أن العجوز كانت تخدم عائشة، وكانت الأخيرة تكرمها، وكلما أكرمتها دعت لها: بأن يقيها الله عذاب القبر، السيدة العائشة لفت انتباهها الدعاء، فسألت الرسول: هل من عذاب فى القبر، وحكت له ما دار بينها والعجوز اليهودية، الرواة اختلفوا حول إجابة الرسول، قيل: أنكر، وقيل: استعاذ، وقيل: صدق، وقيل: أكد وقوعه على اليهود.
ما يعنينا فى الرواية ما تلى الواقعة، وروته عمرة بنت عبدالرحمن(29 ــ 106هـ) التى تربت في حجر عائشة وتفقهت على يديها، عمرة ذكرت أن الرسول استعاذ، وبعد يوم أو يومين كسفت الشمس، وصلى الرسول بالمسلمين صلاة الخوف، وخطب فيهم وطمأنهم بأنه ليست بسبب موت عظيم، فقد اعتقدوا أنها كسفت لموت إبراهيم ابن النبي الكريم.
أهمية هذه المعلومة أنها تمكنا من تحديد الفترة الزمنية التي دخل فيها مفهوم عذاب القبر إلى الثقافة الإسلامية، وهى السنة العاشرة التي توفى فيها إبراهيم بن محمد النبى الكريم، وهو ما يعنى أن الرسول عرف لأول مرة بالتعذيب فى القبور، إن كان صحيحًا، قبل وفاته هو بشهور بسيطة، فالثابت أنه عليه الصلاة والسلام مات فى السنة التالية. وللحديث بقية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف