السياسى المحنك.. والعسكرى الخبير.. والأذكياء من الحكام، لا يدخل الواحد منهم فى معركتين فى وقت واحد.. ويبدو أن الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم نسى هذه القواعد.. ونسى أن هناك من يتربص به.. ومن يحفر الخنادق حوله.. ومن يدق الخوازيق فى طريقه.. ولهذا استفزوه.. حتى سحبوه إلى معركة استغلوا فيها سوء تعبير قاله فى تصريحاته الصحفية الأخيرة.
فالوزير يخوض الآن معركة الثانوية العامة، لكى يزيل هيبتها.. ويدخل بنا إلى عصر تعليمى جديد، لعل وعسى نصلح ما أعوج من تعليمنا المصرى.. وإلى حد ما حققه الوزير من بعض التقدم.. بالنظام الجديد للامتحانات.. ولكنه أخطأ عندما قال ما قاله.
<< ورغم خبرته وعلمه أن العملية التعليمية لها قواعدها الثابتة وهى المدرسة، أو الفصل، وهى المنهج أى ما تقدمه المدرسة للتلاميذ.. والضلع الثالث هو الطالب نفسه ومن الخطأ أن ينسى الوزير «الضلع الرابع» أى المدرس نفسه.. الذى يحقق به الوزير حلمه ـ وحلم كل المصريين ـ تطوير نظام التعليم. إذ بدون المعلم لن يحقق الوزير ولا أى وزير ما يحلم به.. لأن المعلم هو الوسيلة، وهو الطريق، وهو الأداة. ولن تجد تلميذاً نجح إلا وكان وراءه مدرس عظيم.. وكذلك وراء كل تلميذ فاشل مدرس فاشل.. أو قدوة.. فالمدرس هو الذى يوفر النجاح والفشل أيضاً لتلاميذه.. وكم فى حياة كل واحد منا الآن مدرس أحبه الواحد منا، فأحب مادته وأجادها.. تماماً كما فى حياة كل منا مدرس لم يحظ بحب التلميذ.. فاستحق كراهية التلميذ له.. وبالتالى فشل فى مادته!!
<< ومهما كان عدد المدرسين بالوزارة الآن.. وهل لا تحتاج العملية التعليمية إلا نصفهم فقط.. فإن المدرس هو «عماد» العملية كلها.. وهنا لن أتحدث عن مدرسى زمان ـ ولهم كل الحب والاحترام.. ومدرسو هذا الزمان كما وصفهم الوزير ليس فقط فيما كان يرتدى المدرس زمان ـ وبالمناسبة لم أر طوال سنوات دراستى مدرساً بالقميص والبنطلون. كانت البدلة الكاملة ضرورة.. وكذلك الطربوش، ودائماً كان الواحد منهم حليق الشعر.. ناعم الدقن.. ولم أر واحداً منهم ـ أبداً ـ يشرب سيجارة ولو بين الحصص. ولم أسمع تعبيراً واحداً خارج حدود الأدب. أو لم يكن حذاؤه لامعاً، وأظافره مقصوصة.. والقميص مكوياً.. وعلى العكس نجد مدرسى هذا الزمان. ربما بالجينز والقميص والصندل!! وتأكدوا أن الاحترام يبدأ من هنا.. مما يرتدى المدرس.
ودائماً ما التزم المدرس بإجادة ما يقدمه لنا من منهج. وكان الاحترام بالمواعيد واليقظة.. وحسن إعداد الدرس هى أعمدة مدرسى زمان. ليس فقط خشية من جولات الناظر بين الفصول.. أو مراقبة المدرس الأول لمن تحت درجته من المدرسين.. ولا أيضاً من المفتشين.. وآه من الخوف من هؤلاء المفتشين من المدرسين، ومن الطلبة، على السواء.. كانت الإجادة هى الأساس.
<< ونعترف أن نسبة كبيرة من المدرسين الآن يركزون كل جهدهم وعلمهم لما سوف يقولونه للطلبة سواء فى «السناتر» أو المراكز المجمعة للدروس الخصوصية أو فى الدروس الخصوصية وكل مدرس حسب سمعته، وتمكنه من مادته.. وحسب يقظته. وهو يستمر من دروس خصوصية إلى سناتر إلى ما بعد منتصف الليل ـ وتلك حقيقة ـ ولذلك يذهب إلى المدرسة ـ وهى وظيفته الأساسية شديد التعب.. فيغط فى نومه.. ولذلك لا يذهب الطلبة إلى المدارس.
<< كل ذلك نعلمه.. ويعلمه كل وزير للتعليم.. ولكن لم يكن من الحكمة أن يفتح الوزير النار على المدرسين كلهم، فليس ذلك من اللباقة ولا الكياسة.. حتى لا يفتحوا ـ هم أيضاً ـ النار عليه.. وهذا هو ما حدث رغم مرور ساعات قليلة فقط منذ نشرت أخبار اليوم تصريحات الوزير.. كان يجب أن يؤجل الرجل معركته.. حتى ولو كان الوزير يؤمن بأسلوب الصدمات أو كان يخشى ألا يطول بقاؤه فى كرسى الوزير.. فاستعجل المعركة.. وليس أمامنا إلا أن ندعو له بالنصر.. حتى لا تنكسر هيبة الوزارة.. وهيبة الوزير.