التحرير
نبيل عبد الفتاح
الأمن والإرهاب في عالم مضطرب
تشير استراتيجية دهس المارة الآمنين في عديد من البلدان الأوروبية إلى تغير نوعي في استراتيجيات تنظيم داعش، بعد العربات، والأجساد المفخخة، وهو ما أطلق عليه بعضهم أنها صواريخ الفقراء الموجهة إلى الدول الغربية، على نحو ما حدث في فرنسا، وبريطانيا، وإسبانيا مؤخرًا.
هذا النمط من العمليات، ينطوي على طاقة من الخيال الإرهابي المتجدد في مواجهة السياسات الأمنية في عديد من دول أوروبا، لأنها تتسم بالعديد من السمات التي يمكن رصد بعضها فيما يلي:

أنها رخيصة، ولا تحتاج إلى تمويلات أو تجهيزات فنية معقدة.
تعتمد على المفاجأة السريعة والخاطفة، والمباغتة.
تركز على بعض المناطق ذات الكثافة للمارة والعابرين في المدن، وذلك لتحقيق أكبر عدد من الضحايا، القتلى أو الجرحى، ومستويات عالية من الرعب الفجائي، لحركة المارة الآمنين في الشوارع، أو المناطق التجارية، أو بعض المعالم الشهيرة في بعض المدن، مما يضفي عليها ذيوعًا في بث الذعر والخوف، ومحاولة التأثير على السياحة والتشكيك في مدى قدرة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في بلجيكا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وغيرها على اكتشاف هذه العمليات قبل وقوعها، وإظهار عدم قدرتها على التنبؤ بمثل هذه العمليات الإرهابية، على نحو ينتج بعضًا من عدم الثقة في قدرة هذه الأجهزة لدى المواطنين داخل هذه الدول الأوروبية المتقدمة.
هذه الاستراتيجية، هي تعبير عن قدرة العقل الإرهابي ومنظماته على التكيف مع مسارح عملياتها، وتحديد أهدافها، وقدراتها التقنية والمالية، لا سيما في ظل توظيفها للشبكة العنكبوتية، والقدرات الرقمية في تجنيد بعض المهمشين في المجتمعات الأوروبية المستهدفة.

ظهرت قدرات العقل والخيال الإرهابي، على نحو استثنائي وغير عادي في ضرب أيقونات القوة الإمبراطورية الأمريكية في الحادي عشر من يناير 2001، وتدمير برجي التجارة العالمي، وما أحدثته من مفاجأة كبرى، في نوعية الهدف والخيال والدراسة العلمية فى اختيار الأهداف، وفي تنفيذ العملية. عمليات الدهس هي تعبير مكثف عن القدرة على التكيف في مواجهة أجهزة الأمن والاستخبارات من ناحية، وقدراتها، وفي ذات الوقت صعوبة إعادة إنتاج عملية البرجين ذائعة الصيت في تاريخ الإرهاب الكوني.

إن عمليات الدهس المتكررة في عديد المجتمعات الأوروبية، تشير إلى قدرات العقل والخيال الإرهابي، للأجيال الشابة المقصية من النظام الاجتماعي، والتي تعاني من التهميش، وعدم الاندماج، وتم تجنيدها رقميًا، أو تماهت مع أيديولوجيا التوحش وإدارته الداعشية، ومن ثم قدرتهم على إبداع أشكال جديدة من العمليات، ويعود ذلك إلى عديد من الاعتبارات يمكن لنا رصدها فيما يلي:

الجيل الشاب من المهاجرين العرب -الجيلين الثالث والرابع- من 18 سنة إلى 25 سنة، أكثر قدرة على استيعاب التقنيات الرقمية، واستيعاب عوالمها المتعددة وتطوراتها المتلاحقة.

معرفة بعض أبناء المهاجرين الشباب بطبيعة المجتمعات التي يعيشون فيها، وأماكنها، وقدرتهم على معرفة فضاء العملية الإرهابية التي يختارونها لتحقيق أقصى درجات الخوف والرعب والترويع وإشاعته بين المواطنين.

معرفة الذئاب المنفردة بلغات ولهجات البلدان التي يحملون جنسيتها، والاستثناء بعض المهاجرين قسريًا إلى الدول الأوروبية، أو طالبي اللجوء، وهو ما يتيح لهم سهولة الحركة والانتقال دون ريبة أو شكوك من الأجهزة الأمنية وسكان المناطق التي يقطنونها. إن السمة الجيلية الشابة، واستيعاب اللغة والتفكير الرقمي، والحياة داخل المجتمعات الأوروبية، تمثل بيئة ملائمة لابتكار أخيلة إرهابية تمكنهم من القيام بعمليات تتناسب وظروفهم والسياقات الاجتماعية والأمنية التي يتحركون من خلالها، في التخطيط لهذه العمليات، وفي تنفيذها. من الملاحظ أن اختيارات الأمكنة المستهدفة معروفة ومكتظة بالمارة والعابرين أو السياح أو المصطافين، لترويع المواطنين، إلا أنه من المتوقع اختيار أماكن جديدة، وأهداف مغايرة مستقبلاً للاستفادة من هامش وفجوة عدم التوقع لدى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية من هنا يبدو توظيف مفهوم اللامتوقع هو أحد مساحات تحرك الخيال والتخطيط الإرهابي للذئاب المنفردة، أو المجموعات والخلايا الصغيرة التي تنتمي إلى داعش رقميًا على الصعيد الأيديولوجي والعقدي.

إن نظرة على شيوع حوادث الدهس في أوروبا تكشف عن احتمالية استمرارية هذه العمليات، فضلًا عن إمكانية تجاوزها إلى أعمال أخرى غير متوقعة.
ثمة أزمات تبدو جلية من أداء الأجهزة الأمنية الفرنسية والبلجيكية والسويدية والإسبانية.. إلخ إزاء العمليات الإرهابية التي تمت في عديد الأماكن داخل هذه البلدان وتتمثل فيما يلي:

نقص المعلومات عن بعض الإرهابيين كمجموعات صغيرة -شبكات محدودة- وتكوينها وأماكنها.
صعوبة الحصول على بعض المعلومات عن بعض الأشخاص المحتمل قيامهم بأعمال إرهابية، لا سيما في ظل القيود القانونية المفروضة على الأجهزة الأمنية، بخصوص متابعة بعض هؤلاء الأشخاص.
عدم قدرة الأجهزة الأمنية على متابعة دقيقة ومستمرة لعشرات الآلاف، أو قد يصلون في بعض الأحيان إلى أكثر من مائة ألف في بعض البلدان، وهو أمر بالغ الصعوبة.

عدم التنسيق والتكامل بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المتعددة سواء داخل كل دولة، حيث ترشح إعلاميًا، أن بعض العمليات كانت بعض الأجهزة لديها معلومات، ولم يتم تداولها مع أجهزة أخرى، ثم تحدث العملية.
ضعف التنسيق والتبادل المعلوماتي الاستخباراتي والأمني بين دول الاتحاد الأوروبي. بعض المعلومات حصلت عليها بعض الدول الأوروبية من المخابرات المغربية عن بعض الإرهابيين.


إن استمرارية بعض العمليات الإرهابية في أوروبا تشير إلى أنها لن تنتهي قريبًا، في ظل الاضطراب في الإقليم العربي، وفي الشرق الأوسط، واستمرارية الفكر الداعشي والوحشي ومعهم الراديكاليون من المنظمات الإسلامية السياسية، ومن ثم تتطلب المواجهة الفعالة، إعادة بناء استراتيجيات المواجهة، وإحداث تطوير في السياسات الأمنية تجاه التطرف العنيف والإرهاب. (للحديث بقية).

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف