الدستور
ماجد حبته
السفير «البروفيسور» شعبولا!
قد تعتقد أنني أسخر من (أو أتهكم على) هذا الرجل الطيب. لكن القدر هو الذي سخر وتهكم، بظهور من زعموا أن قاسم عبدالرحيم حسن موسى، المطرب الشعبي المعروف باسم شعبان عبدالرحيم أو «شعبولّا»، حصل على لقب «سفير النوايا الحسنة»، ووضعوا كلمة «البروفيسور» قبل اسمه في الورقة التي منحوها له، «تقديرًا لجهوده الاستثنائية التي تصب في نجاح مسيرة العمل العام في الوطن».. و«بفضل جهوده المخلصة التي تضافرت من أجل خدمة ورقي المجتمع الدولي»!.



سفراء النوايا الحسنة هم «أفراد بارزون، يتم اختيارهم بعناية من ميادين الفن والأدب والعلوم والترفيه، والرياضة، ومن الميادين الأخرى للحياة العامة»، يقوم بتعيينهم رؤساء صناديق الأمم المتحدة وبرامجها ووكالاتها المتخصصة، مثل اليونيسيف، ومفوضية شئون اللاجئين، و.... و.... وكل ما سبق، لا علاقة له باختيار «شعبولا» الذي حصل على اللقب من «شيء» اسمه «المركز الدولي لحقوق الإنسان»، يقول الختم الموجود أسفل يمين الورقة (أو الشهادة) إن رئيسه هو «لويس لطفي سفير السلام العالمي».



مَنْ هذا الأستاذ «لويس لطفي»؟!.

هو «المستشار»، «السفير»، «معالي السفير المستشار»، مع بعض، «الصحفي»، «المهندس»، ورئيس «المركز الدولي لحقوق الإنسان بمصر»، المنسق العام لـ«مؤسسة الضمير بالأمم المتحدة». وتحت عنوان «لويس لطفي سفيرًا للنوايا الحسنة بأمر منظمة السلام العالمي بأستراليا»، كتب حامد هليل في جريدة «المساء»، ١٢ سبتمبر ٢٠١٥، أن «د. مصطفى راشد ممثلًا عن منظمة السلام العالمي» قام بتسليمه «شهادة سفير للسلام العالمي في حضور كوكبة..... إلخ».



الذي كتب في «المساء» يرأس مجلس تحرير جريدة يملكها المكتوب عنه. أما الذي قام بتسليم الشهادة فيصف نفسه، في موقع «الحوار المتمدن»، بأنه «الشيخ الدكتور مصطفى محمد راشد، عالم أزهري ومفتي استراليا، سفير السلام العالمي للأمم المتحدة وعضو الإتحاد العالمي للصحفيين، والإتحاد الدولي للمحامين، وهو رئيس منظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان ومركزها الرئيس بسيدني استراليا، ورئيس الاتحاد الدولي لعلماء الإسلام من أجل السلام ورفض العنف التابع للأمم المتحدة، و..... و.... ويعتذر للسادة القراء عن بعض الأخطاء الإملائية الموجودة بالمواضيع المنشورة»!.



الأهم من هذه «الخزعبلات» كلها، هو أن المذكور له فتاوى غير مسبوقة من عينة أن «الحج الشرعي إلى جبل الطور وليس الكعبة».. «صيام رمضان ليس فريضة».. «التدخين لا يبطل الصيام».. و«شرب الخمر حلال»!. وقبل أن تتعجب من صدور تلك الفتاوى عن «مفتي أستراليا»، أحيلك إلى بيان صدر عن مجلس الأئمة والعلماء الفيدرالي في أستراليا، جاء فيه أن «هذا الشخص الدَّعي ليس مفتيًا لأستراليا وليس إمامًا في أي من مساجدها»، و«لم يعتل منبرًا أبدًا، وليس له صلة من قريب أو بعيد بالعلم والعلماء». و«يفتقد أقل قواعد اللغة العربية لضبط أبسط جملة مفيدة، كما يعجز عن قراءة آية قرآنية واحدة بشكل صحيح».



التتابع، إذن، كالآتي: السفير، الدكتور، الطيار، الـ...، الـ... مصطفى راشد منح اللقب الوهمي، مع توكيل منحه، للدكتور، المستشار، الـ...، الـ... لويس لطفي، الذي قام بطباعة الشهادات وصناعة الختم، وصار يمنح هو الآخر اللقب لكل من «يصبّح» أو «يمسّي» عليه، أي يقول له صباح أو مساء الخير، ولا علاقة لي بسوء نيتك أو تفسيرك الشرير للمصطلحين. ولو لجأت إلى محرك البحث ستكتشف أن عدد من منحهم شهادات مختومة، والتقط صورًا معهم، أكثر من عدد سكان قطر وشارع فيصل، الذي يسكنه «شعبولا» أو السفير البروفيسور قاسم عبدالرحيم!.



المركز الإعلامي لمنظمة الأمم المتحدة بالقاهرة فعل ما عليه وزيادة، وبدل البيان أصدر بيانات، أكد فيها أن اختيار سفراء النوايا الحسنة للمنظمة يتم وفقًا لمعايير صارمة جدًا، وأنها عندما تقرر تعيين سفير للنوايا الحسنة فإنها تعلن ذلك دائمًا من خلال قنوات الاتصال الرسمية. وبدل المرة، مرات، حذر المركز من التعامل مع أي منظمات تدّعي أنها «جزء من منظومة الأمم المتحدة»، وطالب تلك المنظمات بأن تتوقف عن استخدام اسم الأمم المتحدة أو تتصرف باسمها في (تعيين سفراء للنوايا الحسنة أو جمع تبرعات خيرية أو لنشاطات وغيره)، وأن تجتنب القيام بمثل هذه الأعمال غير الشرعية باعتبارها احتيالًا يعاقب عليه القانون. كما أكد المركز أن الأمم المتحدة قامت بإبلاغ «الجهات المسئولة في مصر لاتخاذ كافة الإجراءات المناسبة».



ومع ذلك، لم يستجب المتعاملون للتحذير ولم تتوقف الجمعيات، بما يعني أن الجهات المسئولة لم تتخذ أي إجراءات، ولا أعتقد أنك ستلوم «شعبولا» لو عرفت أن أحد بيانات المركز، صدر في ٥ أكتوبر ٢٠١٥، نفى أي علاقة له بمنظمة قال إنها «تقوم بجمع مبالغ طائلة من الناس أو تزعم منحهم مزايا عديدة منها لقب سفير للنوايا الحسنة وجوازات سفر دبلوماسية، وآخر الشخصيات المشهورة كان الفنان هاني شاكر نقيب الموسيقيين». ويمكنك أن تفتح قوسًا وتضع إلى جوار اسم هاني شاكر ٩٩٪ من الأسماء التي قرأت أنها حصلت على هذا اللقب!.



بثمن كيلو «عين جمل» أو «عين العفريت» أو «كام قرطاس بانجو»، يمكنك أن تصبح سفيرًا للنوايا الحسنة. وهناك منظمات وجمعيات أخرى تخصصت في منح لقب دكتور أو مستشار، الأمر الذي يستوجب أن تقوم وزارة التضامن، المسئولة عن عمل تلك الجمعيات، بسحب تراخيصها.. وأن تقوم وزارة الداخلية بمنع ارتكاب تلك الجرائم قبل حدوثها.. وأن تقوم وزارة الصحة بإفساح أماكن في مستشفيات الأمراض العقلية، لمن يتوهمون أن لهذه الألقاب أي فائدة أو «لازمة»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف