الدستور
د.أنور عشقى
قطار السلام ينطلق
اتصل بى أبوالعبد إسماعيل عبدالسلام هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» ورئيس وزراء الحكومة الفلسطينية العاشرة، مع بداية الأسبوع الأخير من شهر أغسطس فبادرته بالدعاء بالنصر واستعادة الحقوق المسلوبة، وقلت له: أحب أن أقول لك: إن العنف ليس هو الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق، وإننى لسعيد بالوثيقة التى صدرت أخيرًا من حماس، لكننى أرجو أن تصدر منك إشارات صحية لكل من السعودية ومصر وأمريكا وأوروبا، فنحن فى وقت لزام علينا أن نكثر فيه من الأصدقاء ونقلل من الأعداء.
كنت أعلم أنه سيتجاوب معى، لقد كانت مهاتفة قصيرة، واليوم تعيش القضية الفلسطينية مرحلة من أدق مراحلها، فالجفوة تزداد بين «فتح» و«حماس»، بين السلطة الفلسطينية فى رام الله وقيادة حماس فى غزة، فأبومازن يسيطر تمامًا على الضفة، لكن الإسرائيليين يكبلونه بالقيود ويقيدونه بالمستوطنات، لكن الشعب يمارس حياته الطبيعية، أما حماس فسيطرتها لا تمتد إلى كل الأطراف، لكن غزة تعيش جوًا من الحصار، ولم يجرؤ إسرائيلى واحد على الدخول إليها، لكن الشعب فيها يعيش الفقر والحرمان وانقطاع الكهرباء وشح المياه.
واليوم يشتد التركيز على حل القضية الفلسطينية، لأن الرئيس ترامب يرغب أن يكون هو الرئيس الأمريكى الذى يضع حلًا جذريًا للقضية الفلسطينية، فهى التى تسببت فى أزمة الشرق الأوسط، وهى التى بسببها ظهر الإرهاب العالمى.
لقد استقبل ترامب الفاعلين الرئيسيين فى قضية التسوية الفلسطينية قبل أن يبدأ أول زيارة له خارج الولايات المتحدة، عندما ذهب للمملكة العربية السعودية من ٢١ إلى ٢٣ مايو ٢٠١٧، فقد كانت الجولة التى تَعرَّف فيها على الواقع الفلسطينى بكل تعقيداته، وأعاد تقييم رؤيته للتسوية المقبلة.
هذه الرؤية جعلته يصرح قائلًا: كنت أعتقد أن القضية الفلسطينية شديدة التعقيد لكننى لم أجدها كذلك، لقد أعد الرئيس الأمريكى نفسه لأن يكون وسيطًا نزيهًا بخلاف ما كان عليه سلفه الرئيس أوباما، الذى حطم الثقة بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو فلم ينجح فى حل القضية.
فالرئيس ترامب لم يختلف فى الرؤى عما قاله أوباما، لكنه صرح بشكل أكثر دبلوماسية عندما التقى الرئيس نتنياهو فى واشنطن، لقد قال إننى لن أفرض مسألة الدولتين ولا الدولة الواحدة على إسرائيل، لكننى أترك ذلك للاتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كما أنه لم يطالب بإيقاف الاستيطان، لكنه قال: يجب أن نتريث فى مزيد من البناء.
لقد تجاهل ما كان يقوله نتنياهو من أنه لا يوجد شريك فلسطينى قادر على التفاوض، وعندما حاول نتنياهو خلال الزيارة نزع المشروعية السياسية عن الرئيس الفلسطينى محمود عباس بدعوى التحريض على اليهود، قال ترامب إن أبومازن شريك حقيقى فى صنع السلام لا يمكن تجاوزه.
لقد زار ترامب حائط المبكى، لكنه رفض مرافقة نتنياهو ليؤكد الثوابت الأمريكية حيال المدينة المقدسة بوصفها لكل الأديان، كما اعترض على اعتبار القدس العاصمة الموحدة لإسرائيل، كذلك عارض عبارة من البحر إلى النهر، التى حاول البعض ترديدها فى إسرائيل، معتبرًا ذلك مسيئًا لمستقبل السلام ومعرقلًا لجهود التفاوض كما يضعف جهوده لإقناع الدول العربية والإسلامية فى تسريع وتيرة الاتصال والتطبيع مع الكيان الإسرائيلى، لقد جعل فى خطابه من الصراع الفلسطينى سببًا لعدم الاستقرار.
فالقضية الفلسطينية أخذت منهجًا مغايرًا لمن سبق الرئيس ترامب من رؤساء، إذ إنه أخذ يبحث فى الأسباب وليس النتائج، فهو يبنى الحلول على إزالة الأسباب بينما نجد من سبقه من الذين ساهموا فى وضع الحلول للقضية الفلسطينية، ريجان وكلينتون أنهما ركزا على النتائج فى الحل، لهذا لم يفوزا إلا بجزء من الحل.
وبهذا استطاع الرئيس الأمريكى ترامب أثناء زيارته استدراج نتنياهو إلى مائدة المفاوضات التى توقفت فعليًا خلال رئاسة أوباما، لقد شكل فريقًا من أربع شخصيات يهودية مقربة أطلق عليها «الحلقة اليهودية»، لإعطاء إسرائيل مزيدًا من الثقة فأوكل إليها دراسة القضية ووضع الحل لها، وهم جيبسون غرينبلات، ودافيد فريد مان، وصهره جاريد كوشنر، ورونالد لودر رئيس المؤتمر اليهودى العالمى.
لقد تم التركيز على الهدف الأساسى ألا وهو العودة إلى خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧ مع تبادل أراضٍ وتعديلات أساسية على حدود الدولة الفلسطينية، التى ستكون منزوعة السلاح بالاتفاق بين الطرفين، بالإضافة إلى حل مشكلتى القدس واللاجئين الفلسطينيين.
حاول الرئيس ترامب استرضاء إسرائيل وإظهار الدعم القوى لها من أجل دفعها للتسوية من أجل مزيد من الثقة بالراعى الأمريكى مع تقديم الحوافز لها، لقد وجد فى إسرائيل الرغبة فى التسوية مع جيرانها العرب والتطبيع معهم وبناء شراكة استراتيجية ضد إيران، فعلى إسرائيل أن تدفع نصيبها من الصفقة بالإقدام على التفاوض، وعلى العرب أن يدفعوا نصيبهم من الصفقة بدعم الحلول ماديًا وأدبيًا وسياسيًا لأن الإخفاق فى ذلك سوف يورث كثيرًا من الأزمات ومزيدًا من الإرهاب.
بدأ الفريق اليهودى جولاته المكوكية بدءًا من أول زيارة للرئيس الأمريكى إلى الشرق الأوسط، وركز الفريق اليهودى بشكل خاص على قضايا التسوية النهائية الممثلة فى خمس مسائل، هى الحدود والأمن والقدس واللاجئون الفلسطينيون والاعتراف المتبادل، لقد كشفت زيارة ترامب عن استعداد غير مسبوق من الأطراف الإقليمية القبول بالصفقة الشاملة لحل القضية الفلسطينية.
فالرئيس ترامب أصر على جر إسرائيل إلى الحل الشامل الذى يهدف إليه، وليس المؤقت الذى ترغب إسرائيل فيه، إن من يعتقد أن الحل سيكون فى زيارة أو زيارتين يعتبر واهمًا، لأن القضية ليست بهذه البساطة التى يعتقدها البعض، فجاريد كوشنر، كبير مستشارى الرئيس، كان فى كل زيارة له يستمع ويسأل فكان يقيم الأوضاع، وقد صرح قائلًا بأن الولايات المتحدة سوف تضع خطة الحل بعد ثلاثة أشهر، بمعنى أن الأمور فى هذه الفترة تتركز على اسمتزاج الآراء ومعرفة حقيقة الأوضاع وجمع المعلومات ثم بناء الخطة، لكن هذا يتطلب أن تكون هناك دول تدفع بالمفاوضات وتغرى الطرفين للوصول إلى الحل ومن أهمها مصر، والسعودية، وأمريكا، والأردن.
إن الرئيس الأمريكى الذى اعتاد أن يتحرش بالنساء، لم يحاول أن يمارس التحرش السياسى كما كان يفعل أوباما مع أطراف النزاع حتى لا يدفعهم إلى النفور، ولهذا نجد الأطراف تتجاوب مع الرئيس ترامب وفريقه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف