اللواء عبد الحميد خيرت
«الإخوان» وتحوّلات قواعد الإرهاب
من المؤكد أن الفترة، من ٣٠ يونيو ٢٠١٢ (تاريخ تسلم محمد مرسى- ممثل الإخوان الحكم فى مصر رسميًا) وما بعدها- وتحديدًا فترة العام الأسود لحكم التنظيم- كاشفة وفاضحة لـ٨٤ عامًا هى عمر التنظيم، واتسمت بالزيف والخداع وسقوط الأقنعة.
طيلة ٨٤ عامًا مارست الجماعة كل أنواع الدجل الدينى والاجتماعى مع التقيّة السياسية، لتلعب مع كل العصور وعلى جميع الأنظمة، تحولت قواعد الاشتباك الإخوانى مع المجتمع المصرى من المداهنة فى البداية لاكتساب أرضية وتغلغل نفوذ، لتصل فى النهاية لأقصى أطراف اللعبة، وهى التورط فى العنف والإرهاب، مرورًا بتحولات أخرى، فشلت الجماعة فى فضّها اجتماعيًا وسلطويًا، وتقع بالتالى فى فخ الخط الأحمر المحظور، وهو هذه المرّة، وعقب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ الاصطدام بالكتلة الشعبية الصلبة التى كانت فى مراحل عديدة حاضنة عاطفية لمظلوميتهم الكاذبة، بدلًا من اصطدامهم المتكرر مع الأنظمة السياسية، منذ العهد الملكى وحتى الآن. خلال هذا الصدام المتكرر، شهدت الجماعة ما يعرف بـ«تحولات قواعد الاشتباك» والذى حاولت فيه الاتكاء على نفس المظلومية التاريخية بالقمع والاستهداف، فيما كان الجانب العملى للسلوك الإخوانى، يمارس التصفية الجسدية والاغتيال السياسى، وأسلوب الترويع بشكل متفاوت، عبر ذراعه العسكرية «التنظيم السرى»، وهو ما دفعت ثمنه غاليًا عبر كل مراحلها، وكانت قمته خلال المرحلة الناصرية التى شهدت مرحلة «كمون» غير مسبوقة فى تاريخ التنظيم، قبل أن تلتقط أنفاسها، خلال فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات. فترة الكمون تلك أعتبرها الأخطر فى تاريخ مصر، والشرق الأوسط، لأنها كانت مرحلة «التفريخ» المأساوية لتنظيمات وجماعات وميليشيات متوازية بأسماء مختلفة.
وإن كانت كلها تعتنق نفس الأفكار الرئيسية للتنظيم، مع مساحة تباعد نظرية وفكرية، سرعان ما تتفق على الأرض عند أول مواجهة.. ليتحول فى لحظة ما يتشدق بأنه «دعوىّ» إلى أن يرسخ ويمارس كل ما هو «دموى».! هذا التحول من النقيض إلى النقيض، هو ما يصبغ تاريخ الإخوان، منذ التأسيس حتى الشتات، وهو ذاته التحول الذى صبغ جميع التنظيمات الإرهابية فى العالم، والتى تفرَّعت عن الجماعة والتنظيم الأم، ولو بأشكال مختلفة. كل التنظيمات الإرهابية كانت تنظِّر لما تعتبره حماية المدنيين، «حزب الله الحجاز» بالسعودية، أبعد مدنيين كان يلهون فى حديقة قبيل تفجير الخبر الشهير عام ١٩٩٦.. أسامة بن لادن حذَّر أتباعه فى تنظيم القاعدة بالعراق من استهداف المساجد، ومع ذلك فإن أبومصعب الزرقاوى أظهر الوجه الأشرس بممارسات أصبحت أساس دموية «داعش» فيما بعد.
وهو ذات الأمر الذى عاد من خلاله تنظيم الإخوان إلى قواعده الفكرية الأولى، وهى كلها لا تخرج عن أطُر الإرهاب بعينه.. وقلبت الطاولة على جميع الخطوط الحمراء. تعاليم البنا، كانت «الكتاب المقدس» للتنظيم و«جاهلية المجتمع».. و«الحاكمية» عند سيد قطب، باتت المشروع الحقيقى لكل ما شاهدناه من تكفير وتقسيم وتصنيف، انتهى بالجماعة إلى الخروج العام وتوليد شبكات إجرامية وأيديولوجية لم تتفكك بالتقادم، وإنما استشرت بغطاءات دينية ومالية وإعلامية وبيئات حاضنة إقليميًا ودوليًا. من يعرف أدبيات «الإخوان» ومعهم «القاعدة» و«داعش» والتنظيمات الأخرى، يدرك أنهم يجيدون فنون التجنيد المختلفة، فالإرهابى يمر بفلاتر تأسيسية منذ الصغر، ضمن برامج وورش عمل، وأدبيات ومحفوظات متعددة، تحت إشراف زعيم أو كادر أو مسئول، قبل الوصول لمرحلة الانفلات أو «الذئاب المنفردة» وكلها قواعد اشتباك تتغير نعم.. ولكنها تتغير نحو «الدم»، وهذا ما لا علاج له إلا بالاستئصال.