محمد نور الدين
محاربة الفساد.. "مهمة مجتمع"
قضية قديمة ومزمنة.. يتجدد الحديث عنها.. وينتفض لها الرأي العام مع كل ضربة توجهها الأجهزة الرقابية ضد فاسد كبير أو وسيط رشوة أو مستغل نفوذ ولأنها تشغل حيزا كبيرا من الاهتمام والمتابعة فما أكثر الخبراء الذين يتسابقون للتحليل والتفنيد والإرشاد.. ويقدمون طرق العلاج ويقترحون وسائل المواجهة.
من زمان.. وقضايا الفساد تنخر في أركان الدوائر الحكومية.. وتسري بين الإدارات الخدمية كانتشار النار في الهشيم. ولم يكتف الفساد بالوصول إلي الركب. بل تمدد وارتفع ليفجر الرؤوس.. ولقد وصلت النسبة إلي معدلات غير مسبوقة لتراكمات عاشها المجتمع.. ولظروف صعبة نالت من قوة الاقتصاد.. وتحديات شرسة عرقلت مسيرة الإصلاح.. وكان للنظام البيروقراطي العقيم.. دور في تفشي الظاهرة. مما أتاح للنفس الأمارة بالسوء.. بالتلاعب بخدمات الناس وتعطيل مصالحهم.. ماداموا عاجزين عن تسديد فاتورة الاستغلال والتسهيل.
انتشر الفساد.. بعد أن انعدمت الشفافية.. وتحكم المرتشون لأن حقوق الأفراد وواجباتهم كانت غير واضحة.. وهيمن المستغلون نظرا لضعف مؤسسات المجتمع المدني.. وسيطر "الطالحون" بمجرد غياب الرمز والقدوة.. وبرز المتلاعبون.. نتيجة عدم الاستجابة للوازع الديني.. والانصياع لشهوات النفس.
لم يقتصر الفساد علي الصغار فحسب.. الذين سقطوا في المحظور لانحدار المستوي الثقافي وضعف الوعي الديني.. بل توغل ووصل إلي "الكبار".. علي الرغم من أنهم لا يعانون شح الدخل أو قلة الحيلة.. ومع هذا فرطوا في المكانة الكبيرة.. وأهدروا السمعة.. وخضعوا للمغريات الكبيرة.. وراح كل منهم يسيء استخدام السلطة الممنوحة له.. مقدما علي كل ما يضر بالمصلحة العامة ويعظم مصلحته الشخصية.
عموما.. انتهي زمن التساهل فقد انتقل المجتمع بأسره إلي عصر جديد.. يتسم بالنزاهة والشرف.. ويتميز بالعدالة والحسم.. وها هي الضربات الموجعة ضد الفاسدين تتوالي.. وحملات ملاحقة "الشاطحين" تتواصل.. أيا كانت صفاتهم أو مناصبهم.. وللحق قامت هيئة الرقابة الإدارية ومازالت.. بجهد كبير.. لتطهير الإدارات.. ونجحت في ضبط العديد من أصحاب النفوذ الذين أخلوا بالواجبات الوظيفية.. وتجردوا من قيم الولاء والفضيلة.
في المقابل.. لابد أن يدرك "الجميع".. أن القضاء علي الفساد بشتي صوره وأشكاله.. ليس مهمة الأجهزة الرقابية وحدها. وإنما مهمة مجتمع بالكامل.. متسلح بالقيم النبيلة.. وملتزم بالتعاليم الدينية.. ومتميز بالحس الوطني الأصيل.. ومتحصن بالضمير الحي.. والذمم السليمة.
إن طريق القضاء علي مظاهر الفساد.. طويل وشاق.. يحتاج إلي تضافر الجهود.. وتكاتف جميع فئات وتيارات المجتمع.. ويستلزم رقابة فعالة. ومتابعة دقيقة. وتفتيش ميداني وتطبيق صارم للقانون.. يعاقب المذنب ويكافأ المجد.. ويستوجب عدم إقصاء الكفاءات.. وحسن اختيار القيادات.. وإعداد منظومة إلكترونية شاملة.. تقلل تدخل العنصر البشري في تسيير الأمور.. لاسيما بعد أن ثبت بالدليل العملي.. أن "الآلة الصماء" باتت أيقظ ضميرا.. وأعلي خلقا.. من بعض "البشر".