جمع الغنائم لا يحدث في نهاية المعارك العسكرية والحروب فقط، وإنما يحدث أيضا في الحياه العادية وبين المدنيين وليس المقاتلين فقط.
فهناك من يصير كل هدفه بعد أن يقبض علي منصب هو أن يتربح من هذا المنصب ويحوله إلي سلاح يجمع به الغنائم كل الوقت وفي شتي المجالات، حتي ولو تم ذلك بالمخالفة للقانون ومن وراء ظهره،، ولعل ذلك يفسر تلك الحالات التي كشفت عنها الرقابه الإدارية لمسئولين كبار تورطوا في التربح من مناصبهم وقبلوا الحصول علي رشوة سواء مالية أو عينية أو حتي في شكل خدمات جنسية،، أما واجبات المنصب فهذا آخر أمر يفكر فيه هؤلاء، لأنهم مشغولون فقط في مناصبهم بجمع الغنائم.
وهناك من يقتحم عالم السياسة سواء من خلال أحزاب أو حركات وهدفه هو التربح أيضا من ذلك وتحقيق المكاسب المنظورة وغير المنظورة، ولا يكترث بالجوهر الحقيقي للعمل السياسي الذي يستهدف تحقيق رؤي وأفكار مقتنع بها ويراها تحقق مصالح بلده وشعبه وخصوصا الطبقات والقوي الاجتماعية التي ينحاز إليها، ولعل هذا يفسر لنا ضعف الأغلب الأعم من الكيانات السياسية والحزبية الموجودة لدينا وتعرضها للانقسامات والانشقاقات والضمور وغياب الفعالية.
وهناك أيضا من يتصدي للعمل العام والمدني من خلال منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية وكل همه هو التربح وتحقيق المكاسب المتنوعة سواء المالية أو العينية، رغم أن جوهر العمل المدني هو العمل التطوعي، ورغم أن منظمات المجتمع المدني هي منظمات لا تستهدف تحقيق ربح مثلما لا تستهدف الوصول إلي السلطة، ولعل هذا يفسر لنا أيضا كيف تحولت جمعيات أهلية إلي أداة لتحقيق المكاسب لمن أسسوها ويديرونها،، وكيف وضعت منظمات حقوقية نفسها في خدمة من يقدم لها التمويل الأجنبي وتحولت إلي منظمات تُمارس العمل السياسي بدون أن تشهر نفسها أحزابا، والأهم كيف افتقد العديد من منظمات المجتمع المدني في مصر الشفافية، خاصة فيما يتعلق بالأمور المالية وطريقة إدارتها.
وهكذا الاهتمام بجمع الغنائم والسعي للتربح من المنصب والعمل العام سواء المدني أو السياسي هو الذي شوه مجتمعنا وأسهم للأسف الشديد في إفساد العديد من الأحزاب والكيانات السياسية وأيضاً الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، وهذا حدث عندما اختلت منظومة القيم الاجتماعية فلم يعد العمل شرفاً ولا واجباً وصار الكسب السهل السريع شاطره ونهاره،، لذلك نحن نحتاج إصلاح منظومة القيم التي تسود مجتمعنا حتي تسود القيم الإيجابية السليمه، قيم الحق والخير والجمال، التي تعلي مكانة العمل وتحدد بالتالي مكانة الإنسان في المجتمع بقدر ما يعمله وليس فقط بكمية ما في حوزته من أموال.