د. محمد يونس
ابتزال القضية أم قفز إلى الأمام؟!
المطالبة بمساواة المرأة مع الرجل فى الإرث، وزواجها بغير المسلم، بجمهورية تونس التى تثير جدلا تجاوز حدود الجمهورية، نموذجان لما يمكن تسميته فى عالمنا العربى والإسلامي، ابتزال القضية فى معالجة إشكاليات المرأة والاستمرار فى نهج القفز على المشكلات إلى الأمام، والاختلال فى سلم الأولويات، ينطويان على إثارة ملغومة ومفارقة غير مفهومة!
قبل الخوض فى أبعاد القضيتين علينا أولا أن نسأل عن موقعهما فى أولويات المشكلات التى تواجهها المرأة العربية والمسلمة اليوم، فهل نالت المرأة كل حقوقها التى أقرها الإسلام وأغفلها كثير من المسلمين، حتى يدعو البعض إلى مخالفة النصوص الدينية الصريحة وتعاليم الشريعة، فى موضوعى الإرث والزواج؟!
كان من الممكن أن تمر هاتان القضيتان دون اتمام إعلامى كبير لولا أنهما حظيا بتأييد من ديوان الإفتاء التونسى وهو ما أدانه الأزهر، ورد عليه علماء المسلمين .
الإثارة الملغومة تتمثل فى أن القضيتين تتناقضان مع نهج المعالجة الصحيح سواء من الجانب الشرعى أو على مستوى الواقع المعاش، فمن الجانب الأول، تخالف الدعوة الى مساواتها بالرجل فى الميراث وزواجها بغير المسلم تعاليم الإسلام وتعبر عن فهم خاطئ لموضوع الميراث، حيث هناك أكثر من 30 حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال، فى مقابل 4 حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل. كما أن مسألة تحريم زواجها من غير المسلم يأتى حفاظا عليها من زوايا عديدة أبرزها أن المسلم يؤمن بنبوة موسى وعيسى بينما لا يؤمن المسيحى او اليهودى بنبوة محمد ومن ثم قد لا يحترم ديانتها. وعلى مستوى الواقع فإن المرأة العربية بشكل عام لا تنال حقوقها المقررة أصلا فى الميراث بل مازال الكثير من حقوقها التى أقرها الإسلام منتهكا، و تعانى جملة من المشكلات فى حياتها اليومية تتطلب حلولا، كالعنف الأسرى والتحرش الجنسى والتمييز فى العمل ومواقع صنع القرار، ولاتزال لديها مشكلات فى التعليم والرعاية الصحية.
أجدر بنا أن نحل هذه القضايا أولا ، ثم ندعو إلى الاجتهاد فيما يصح الاجتهاد فيه، ولكن للأسف يتم التعامل مع هذه المسائل بطريقة القفز الى الإمام لخلق زوبعة تشغل الناس عن قضاياهم الأساسية، لأنه ببساطة طرح مثل هاتين القضيتين لا يحتاج اعتمادات مالية بل على العكس ربما يترتب عليه مكاسب سياسية أو انتخابية لبعض الأحزاب التى تراهن على أصوات المرأة على حد قول الكاتبة التونسية منى اليحياوى التى حذرت من أن يكون «الانتصار للمرأة مجرد حملات انتخابية». وأضافت «أن المرأة وقضاياها وحقوقها القانونية والدستورية يجب ألا ننظر إليها فقط بأطماع انتخابية تزدهر شعلتها وتبلغ ذروة حماستها إبان الحملات الانتخابية لكنها سرعان ما تصطدم فى أول امتحان ـ» (الصباح التونسية/ 13 أغسطس). وعلى الرغم من أن تونس تعتبر فى مقدمة الدول العربية التى نالت فيها المرأة جانبا كبيرا من حقوقها، فإنها لم تبلغ بعد المستوى اللائق، فمثلا فى العمل السياسى لا يزال نصيبها أقل من نصف نصيب الرجل. ففى أول انتخابات بعد ثورة2011 بلغت نسبة النساء الناخبات المسجلات 46%. ولكن شغلن فقط 27 بالمئة من المقاعد. وفى حكومة الترويكا التى تشكلت من 48 عضوا أسندت فقط 3 مناصب وزارية لسيدات، وهو ذات الرقم الذى نالته المرأة فى حكومة مهدى جمعة.وفى الحكومة الحالية تقلدت المرأة 8 مناصب بين وزارات وكتاب دولة ، بنسب 25%. يتضح من ذلك أنه على الرغم من ان الدين لا يحدد نسبة معينة لنصيب المرأة فى الحكومة ، مع ذلك بقى حظ الذكر فى المناصب الحكومية التونسية مثل حظ الانثيين (نسبة مشاركة المرأة فى الانتخبات البرلمانية 46 %. ولكن نسبة المناصب الوزارية 25%). فإذا كانت لم تنل حقوقها فيما هو مباح دينيا فهل نحن بحاجة الى التعدى على النصوص الدينية لإعطائها أكثر من حقوقها أم هو تعبير عن غياب فكر وفقه الأولويات وقفز بالشكلات إلى الامام بعيدا عن التحديات الحقيقة التى تؤرق المرأة العربية والمسلمة ؟
أما المفارقة غير المفهومة فهى أن الشيخ عثمان بطيخ رئيس ديوان الإفتاء التونسي، قال العام الماضى إنه لا يجوز شرعا المساواة فى الإرث بين الرجل والمرأة وأضاف خلال جلستين بمجلس النواب التونسى أنه لا يجوز الاجتهاد فى هذه المسألة لأن النص القرآنى صريح وحسم فيها بحكم الآية الواردة بسورة النساء «.. للذكر مثل حظ الانثيين» (صحيفة باب نت التونسية /28 يونيو 2016) فماذا جد هذا العام لكى يؤيد ديوان الإفتاء برئاسة الشيخ بطيخ دعوة المساواة بين المرأة والرجل فى الإرث؟!