الجمهورية
محفوظ الأنصارى
هل القتل.. العنصرية.. والنهب أصبحت ظواهر طبيعية ؟!!
هل يمكن أن ندعو أنفسنا.. وندعو العالم. إلي التوقف أمام عدد من الظواهر. ومن الأوضاع.. التي أصبحت تمثل ثوابت كونية. مقبولة.. رغم غلظتها وقُبحها.. وخروجها علي جميع القيم. والمبادئ الإنسانية؟!!
أبرز هذه الظواهر. وأخطرها:
ــ هي هذا العدد الرهيب من البشر. الذي يسقط يومياً قتيلاً.
ــ وهذا العدد الذي لا يقل عن سابقه "عدداً".. ويُطرَد من بيته. وأرضه. وبلاده.. ذليلاً مشرداً. وملاحقاً.. إلي حيث لا يعلم.
ــ وهذا العديد الرهيب.. من المعاقين. والمصابين. الذين تركتهم جولات "التصفية البشرية".. والاعتداءات الإجرامية.. ومغامرات التصفية والإبادة.. التي تتولاها عصابات مؤجرة. وممولة.. أو جماعات منظمة تحركها وتقودها تيارات ذات عصبيات دينية. أو عرقية أو متشددة.
وغير هؤلاء. وأولئك من "بشر". محكوم عليهم بالإبادة والتشريد. والتعذيب.. ولا أحد يدري مَن بالضبط. أصدر هذا الحكم؟!!
.. وكيف لحكم. أو قرار. غير معروف المصدر مثل الحكم الذي نتحدث عنه:
يصبح حُكماً أبدياً. وأزلياً.. وغير قابل للتغيير.. أو للمساس به.. وعلي طول الزمن.
* * * *
ونعود للبداية.. ونقول:
إن "الظاهرة الجامعة". التي نتحدث عنها..:
ــ هي هذا التمييز البيِّن والواضح بين البشر.
ــ هي هذا الفصل بين جماعات من الناس. يسكنون مناطق معينة.. وهم علي كل حال.. الأقلية.
ــ وبين جماعات من البشر. يمثلون الأغلبية الكاسحة من سكان الأرض.
¼ المجموعة الأولي.. صاحبة الأقلية.. تملك كل شيء. وصاحبة حق في كل شيء.
¼ بينما المجموعة الثانية. صاحبة الأغلبية محرومة من كل شيء.. وليس لها حق في أي شيء.. حتي حق الحياة. الذي تمارسه "مؤقتاً". وبحكم الأمر الواقع.. أو إلي أن يحين وقت مناسب.. ولحظة منتظرة.
كان الظن. أن تبقي هذه "الظاهرة".. ظاهرة التمييز والتفرقة بين البشر.. لمدة زمنية محددة.. أو لبضع سنوات. تتغير فيها الأحوال.. وتتبدل الظروف.. وتهب علي الناس والعباد. موجات جديدة. من الأخلاق. ومن العلاقات. ومن القيم. والسلوكيات.. وأيضاً تهب حالات من التطور. والتقدم. والتعلم. وأيضاً الذوق.
إلا أن الملاحظ.. أن الأمور تزداد سوءاً.. وأن السلوكيات يعتريها "العطب" والبلادة.. وأن السييء يزداد سوءاً.. وأن الأغلبية المعتدي عليها.. يتضاعف عددها ويتضخم.
ليس هذا فقط.. أي أن المسألة. ليست مسألة عدد يزداد هنا.. ويتضاءل هناك.
بل الأهم. والأخطر.. هو أن الإدراك لأبعاد هذه الحالة. غير مستوعب.. وغير محسوس. من جانب أهل الأرض جميعاً:
ــ المعتدي.. والمعتدي عليه.
ــ الظالم.. والمظلوم.
ناهب الحقوق وكل شيء.. والفاقد لكل شيء.
لا أحد يتوقف اليوم أمام. جُرم. أو سلوك.. وإنما يمر عليه مرور الكرام.
لا أحد يزعجه. أو يشد انتباهه. هذه الأنباء والروايات والحكايات عن السرقات.. وعن الثروات. وعن الجرائم والاحتكارات.
وإنما أمورها تمر. ولا محاسبة. أو مراجعة. أو حتي محاولة للتأمل والنظر بقليل من العمق والاهتمام.
* * * *
كل يوم وكل لحظة. تطالعنا الأخبار والأحوال. وتقول لنا. أن "فلانا". زادت أرباحه. أو عوائده. إلي مستويات عليا.
وأن عدداً من المدن والقري قد تم تدميرها بالكامل.. وأن عشرات الآلاف من أبناء وسكان هذه الجهات قد أصبحوا بلا مأوي.. بل والأكثر من هذا.. أنه مطلوب منهم.. ليس فقط ترك ديارهم ومساكنهم.. بل المطلوب أيضاً.. وهو الأهم.. هو أن يتركوا المنطقة كلها.. ولا يبقوا فيها لحظة واحدة.
هذا "التشريد".. والمطاردة الجماعية. غالباً ما يصاحبها قتل وإبادة.. أي تطهير المناطق المستهدفة.. من كل كائن فيها.
هذه الظاهرة.. أصبحت عامة وشاملة. ومنتشرة. لكن المثير للانتباه.. هو أن هذه الظاهرة "المركبة" بنتائجها. حيث تشمل الظاهرة:
ــ العدوان علي السكان:
ــ وتشمل الطرد..
ــ وتشمل التهجير..
ــ وتشمل القتل.
هذه الظاهرة بكل نتائجها وأبعادها.. تجري كل لحظة.. وتجري في كل منطقة من مناطق "الغلابة".. وما أكثرها.
وما يلفت النظر فيما يجري.. هو أن أحداً لا يهتز.. ولا يتأثر.. فتدمير مدينة. أو قرية. لا "يحبها" الكبار.. لا تستأهل أكثر من عملية اعتداء. ومطاردة. يعقبها تهجير.. وبعده تطهير للمكان ممن سبق واحتلوه.
وتبقي الحكاية. مهما زاد عدد ضحاياها. مجرد خبر عابر. يتحدث عن خروج عشرات الآلاف. أو ملايينهم من السكان من هذه المنطقة.. ويرحلون إلي غيرها.. التي تقوم بدورها بتكرار عملية الترحيل. والتطهير. والإبادة.. ثم الاستيلاء علي ما كان للغير.
* * * *
ما أكثر ما تتضمنه هذه الصورة من تفاصيل.. ومن أبعاد.. كل منها يثير الهم والغم. والحيرة.
ــ أن يصبح قتل الإنسان ــ ومهما كان العدد ــ مجرد كلمات. بغير تأثير أو مدلول.
ــ وأن تصبح عمليات التهجير. والتشريد. سياسة وممارسة عادية.. تمر أحداثها وتوابعها مر الكرام.
ــ وأن تصبح سياسة التمييز العنصري. وإبادة الآخر. سلوكاً طبيعياً.. نشاهده ونعايشه.. ونعتمده.
ــ وأن تتبدد. وتنتهي مبادئ الحق.. وتسود سياسة الفوضي وسلوك النهب والعنصرية.
.. هذه ملاحظات تحتاج إلي المزيد من المتابعة.
كما تحتاج لإعادة النظر والتأمل..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف