سامى صبرى
البلطجة الناعمة تحارب وزير التعليم
< ما إن كشف د. طارق شوقى وزير التعليم مستور المعلمين، حتى انهالت عليه شلة «الحنجورية» أعداء النجاح، تنعته بأبشع الألفاظ وتطالب بإقالته ؛ لمجرد أنه تجرأ واقتحم مغارة على بابا وقرر وضع حد لـ«سبوبة الفساد الخفى» فى أهم وأخطر وزارة تتحكم فى صناعة مستقبل مصر.
< المعلمون فى قمة غضبهم لأن الرجل صدمهم بالواقع، أسقط ورقة التوت، كشف حقيقة الجشع والبطالة المقنعة، فمارسوا ضده البلطجة الناعمة، وأطلقوا ضده حملات فيسبوكية منظمة، على أمل إسقاطه؛ لتستمر إمبراطورية الدروس الخصوصية، وتنتشر (مراكز الابتزاز والاستغلال).
< الوزير المحترم قام بترشيد الحوافز والمكافآت فهاج وثار «تنابلة السلطان». ألغى درجات (الميد تيرم)، كسر (عصا الكمبيوتر والرسم) التى كانت تستخدم فى تهديد الطلاب وأسرهم، فجن جنونهم، فبها كانوا ينظفون جيوب أولياء الأمور.
< د. طارق الذى لا أعرفه، إلا من خلال قراراته الجريئة، يبدو أنه خبر جيدا ماذا يدور فى أسوأ منظومة تعليم فى العالم، فقرر المواجهة، والعلاج، شخّص الداء جيدا، وضغط على الجرح بقوة ؛ كى يخرج ما فى داخله من صديد، فكان من الطبيعى أن يتألم المريض ويصرخ صرخة بداية الشفاء.
< نعم صرخة الشفاء من مرض عضال سكن دماء ملايين المعلمين، ولن أقول كلهم، وإنما معظمهم، فهناك من يراعون ربهم ويتقون الله فى الطلاب، وأسرهم، ولكنهم قلة لا يحصلون على حقوقهم فى الحوافز والمكافآت، التى غالبا ما تذهب لمن يجيدون الرقص على كل الحبال ويحاربون بقوة كل معلم شريف يرفض تحويل التعليم إلى بورصة يكتوى بنار أسعارها مصريون، كل ما يتمنونه حصول أبنائهم على فرصة جيدة فى التعليم، وإذ بهم يسقطون فريسة لجلادين لا يرحمون « يعبدون الجنيه »، ويطالبون بحقوق لا يستحقونها، ويتجاهلون ما عليهم من واجبات.
< هؤلاء الغاضبون، نسوا فى لحظة كيف كانوا؟ وماذا أصبحوا؟!.. ركبوا السيارات الفارهة، واستثمروا فى العمارات الشاهقة، وسكنوا أفخم الفيلات.. صنعوا الملايين من الدروس الخصوصية، ومن اللف «كعب داير» على «السناتر» و«التكويش» من هنا وهناك، ثم يقولون «أهاننا الوزير»، ويطالبون بإنصافهم، وهم أصلا لا يذهبون إلى مدارسهم ولا يدخلون فصولهم إلا على الورق فقط.
< كل أعضاء منظومة الفساد الخفى يعلمون بذلك، بدءا من وكيل الوزارة مرورا بمدير الإدارة نزولا إلى مدير المدرسة، ثم الوكيل والموجه، ونهاية بالفراش، فهو أيضا ينوبه من الحب جانب هدية حلوة أو مبلغ محترم فى مظروف أنيق؛ مقابل قيامه بالتوقيع نيابة عن الباشا المعلم فى دفتر الحضور والانصراف.
< قالوا نريد كادر فحصلوا عليه، ولم يقدموا شيئا، بل ازدادوا شهوة فى امتصاص دم مصريين مثلهم، والنتيجة كارثية، خريجون يخطئون فى الإملاء، يلفظهم القطاع الخاص، وتنقذهم تكية الحكومة. أكثر من مليون و700 ألف معلم وموظف فى وزارة واحدة، شغلهم الشاغل البحث عن الحوافز ومكافآت الامتحانات واللجان، لم يسألوا أنفسهم لحظة ماذا قدموا لمصر؟، ولماذا يتعمدون تجريف هويتها بصناعة أجيال تافهة وفارغة، وإن نبغ من بينها موهوب بالفطرة نجا من مصيدة الحفظ والتلقين.
< هذه الفوضى العبثية، للندابين والبكائين، ينبغى مكافحتها، فأوضاعنا التعليمية تحتاج إلى ثورة لإصلاح فكر المعلم وإعادة صياغة عقله ونظرته لأسمى رسالة، قبل تحسين وضعه المادى. وهو ما يحاول صنعه الآن وزير يعلم جيدا أنه اقتحم عش دبابير.