عباس الطرابيلى
اليمن.. بداية تدمير مصر اقتصادياً
الكاتب الصحفى الكبير صلاح منتصر يحلل - هذه الأيام - فى «الأهرام» جريمة سحب مصر إلى مستنقع اليمن.. ويصف دخول مصر هذا المستنقع عقب ثورة اليمن بقيادة السلال بأنها كانت بداية استنزاف الموارد المصرية، والاقتصادية وليست فقط العسكرية.. وكان هذا هو هدف سحب مصر لتدخل هذا المستنقع بقدميها، ولو من خلال سرية عسكرية صغيرة تضخمت حتى تجاوز عدد قواتنا هناك أكثر من 50 ألف عسكرى.. ويا ليتكم تقرأون كتاب العزيز الراحل وجيه أبوذكرى «الزهور تدفن فى اليمن» الذى يكشف فيه حقيقة هذه الجريمة التى ارتكبها عبدالناصر.. وكانت هى بداية انكساره الثانى.. إذ كان انفصال سوريا عن مصر هو الانكسار الأول.. وكانت اليمن بداية انكسار مصر عسكريًا فى يونية 67.. وما زلنا ندفع الثمن، حتى الآن.
<< وللأسف لم يتعمق الباحثون كثيرًا فى «تحقيق» هذا الانكسار ربما خشية من غضب السلطان عبدالناصر.. وما أدراكم الآن مدى عنف غضب عبدالناصر على من يخالفه الرأى.. ليس فقط النقل إلى محلات باتا لبيع الأحذية.. أو إلى عمر أفندى ليبيع ملابس السيدات!! وليس بالنفى إلى سجن الواحات أو «هيلتون الوادى الجديد».
وإذا تعمق الباحثون لاكتشفوا أن محاولات استنزاف قوى مصر، ليست بنت هذه الأيام، بل هى من أيام الحروب الصليبية بعد أن اكتشفوا أن هدفهم فى السيطرة على المنطقة لن يتحقق إلا بكسر مصر واستنزافها عسكريا واقتصاديا.. ولذلك تم توجيه العديد من الحملات الصليبية إلى مصر لتدميرها أو على الأقل استنزافها فلا تقوى على الدفاع عن جيرانها!!
<< وكانت حرب اليمن عام 1962 إلى عام النكسة إحدى حلقات محاولات استنزاف مصر وهو نفس المخطط الحالى الذى يحاول استنزاف قدرات مصر سواء فى حربها للإرهاب فى سيناء.. أو التصدى للتسلل من ليبيا غربا.. أو القلق مع الجنوب.. أو ما يجرى فى سوريا - بسبب علاقاتنا الروحية والبشرية معهم - من أيام الفراعنة.. ثم مخطط سحب مصر إلى حرب جديدة فى اليمن بحجة مواجهة الغزو، والامتداد الإيراني - الفارسى فى اليمن، بدعوى أن هذا الغزو يهدد قناة السويس من الجنوب.
هنا يجب التحذير من الدخول فى المستنقع اليمنى مرة ثانية.. حيث كانت الخزانة المصرية تخسر كل طلعة شمس مليون جنيه.. ويخطئ من يقول إن انحدار أوضاعنا الاقتصادية يبدأ من يونية 67 حيث الهزيمة الرهيبة.. ولكن يبدأ فعليا من اليوم الأول الذى تم سحبنا فيه إلى مستنقع اليمن ومن الأيام الأولى لثورة السلال.. بل إن توقف الخطط الاقتصادية الخماسية لم يبدأ إلا بعد أن انسحبنا إلى اليمن دون أى تفكير.
<< والدخول فى اليمن، ليس فقط مثل دخول الواحد منا بين «البصلة وقشرتها» ولكنه يعنى أنهم هناك لا يعرفون الصداقة الدائمة ولا العداوة الدائمة.. بل فقط المصالح الدائمة.. أى أن أصدقاء الأمس يمكن أن يصبحوا أعداء الأمس.. وما يجرى بين الحوثيين وعلى عبدالله صالح.. خير مثال.
وهو نفس ما تعرضنا له - فى مستنقع اليمن الأول أيام السلال وعبدالناصر - إذ كانت تدفع الذهب أكياسا لقبيلة «متجمهرة» أى تؤيد الجمهورية الثورية.. ثم تتحول نفس القبيلة إلى المعسكر الآخر وتصبح «ملكية»!!
<< مرة أخرى يجب ألا تلدغ مصر مرتين فى مستنقع اليمن. واقرأوا ما يكتبه الكاتب الكبير صلاح منتصر عن المستنقع الأول.. يقوله كما لو كان يحذرنا من أن تقع - هذه الأيام - فى نفس المستنقع مرة أخرى.
فقط كان بداية.. خسارة لثروتها وتدمير اقتصادها.. بعد تدمير جيشها.. ويجب ألا تدفع مصر - نفس الثمن - مرة أخرى.. وفى التاريخ عبرة لمن ينسى.. والذكرى تنفع المؤمنين.