سبعة عشر عامًا هى الفاصل بين آخر دورة لمهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية كنت مشاركا فى الإعداد لها وحضورها وبين الدورة الجديدة للمهرجان.. ما زال للإسماعيلية بريقها وهدوؤها ومازال للمهرجان أيضا بريقه وجماله.. حوالى عشرين فرقة من دول مختلفة ظلت تقدم فنونها فى شوارع الإسماعيلية والسويس وبورسعيد..
أسبوع كامل قضاه أهل القناة مع فنون العالم الشعبية.. لم نشهد حالة تحرش واحدة ولم تحدث حالة سرقة فى الشوارع أو أثناء زحام العروض المفتوحة.. لم يقدم فنان أجنبى ملاحظة سيئة.. هؤلاء الفنانون الذين قارب عددهم الثلاثمائة سيعودون إلى بلادهم سفراء لمصر.. زاروا دولة جميلة.. عاشوا على شواطئ القناة.. قدموا فنهم لمصر وشاهدوا الفنون المصرية.. ولكن أين أجهزة الدولة من كل ذلك؟!.. عقلية التسويق الغائبة عن مسئولينا متى تعود؟ ٣٠٠ فنان سيعودون إلى بلادهم، لم تفكر هيئة تنشيط السياحة فى التواصل معهم ودعوتهم إلى رحلة ليوم واحد للقاهرة لن تكلفها مبالغ طائلة، بل لن تزيد التكلفة على حفلة عشاء فاخر تقام بشكل دورى لضيوف نصفهم على الأقل مصريون من موظفى الهيئة!.. ولم تحاول أن تعطى كل منهم تذكارا من مصر.. الأهم أيضا أن الهيئة العامة للاستعلامات بحثت فى المهرجان عنها.. الصديق العزيز د. ضياء رشوان من المؤكد أن أحدا لم يبلغك بهذا الحدث.. لدينا فى الهيئة كتيبات عن مصر وفنونها.. لدينا مطبوعات جميلة.. كان من الممكن أيضا أن تنظم لهم ندوات بسيطة تعرض فيها بعض الأفلام التسجيلية عن مصر الحديثة.. مصر الآمنة التى عاشوا فى ضيافتها أسبوعا كاملا.
مقصرون نحن دائما فى حق مصر.. لا نحاول أن نفكر كيف نسوق هذا البلد الذى يمتلك إمكانات إذا تم تسويقها جيدا فلن تجد مكانا فى فندق وسيتضاعف الدخل من السياحة إلى عشرات المليارات. لدينا الكثير، لكننا لا نعرف قيمة ما نملك ولا نعرف كيف نسوقه، ولذا نلجأ إلى شركات تسويق أجنبية تحصل على مبالغ طائلة ثم لا تعطينا شيئا.
عشرات الأحداث على مدار العام مثل مهرجان الإسماعيلية.. فى الإسماعيلية وحدها ثلاثة أحداث: سباق الهجن الدولى- مهرجان الأفلام التسجيلية الدولى- مهرجان الفنون الشعبية.. وعشرات المهرجانات الأخرى.. لماذا لا يتم وضع خريطة لها، بحيث لا تتضارب مواعيدها ويتم التنسيق بين الوزارات المعنية، سواء الثقافة أو السياحة أو الآثار أو التنمية المحلية وعلى رأسها وزير يعرف قيمة الثقافة جيدا ويساعده مستشار ثقافى أسهم فى نجاح معرض الكتاب دورات متعددة؟!.. لو استطعنا أن نحول المشاركين فى هذه الأحداث إلى سفراء لنا فى بلادهم سنحصل على حوالى ألفى سفير كل عام، وهذا أفضل كثيرا من المكاتب السياحية والثقافية والإعلامية التى تصرف عليها ملايين الدولارات كل عام دون عائد.. ولماذا لا يتم جمع كل هذه المهرجانات تحت رئاسة هيئة واحدة تتبع رئيس الوزراء، ويكون لها القدرة على التحرك السريع والمنظم لإنجاح هذه المهرجانات والمؤتمرات التى تعقد فى مصر أيضا؟!.
أعود إلى ليلة ختام مهرجان الإسماعيلية، كان بجوارى اللواء ياسين طاهر، محافظ الإسماعيلية، والذى أعاد بإصراره النجاح إلى المهرجان هذا العام واستطاع أن يعيد البريق إليه بإمكانيات محدودة وبتكاليف بسيطة وبأفكار جديدة.. وأيضا كان بجوارى شريف خالد، رئيس مجموعة شركات فالكون، التى نظمت إحدى شركاتها المهرجان وأشرفت أخرى على تأمينه.. صورة جديدة لدعم القطاع الخاص للقطاع الحكومى فى أحداث فنية وثقافية، وهو توجه لـ«فالكون» تتجه فيه إلى رعاية الأحداث الثقافية والفنية.. الانضباط العسكرى هو سمة من سمات محافظ الإسماعيلية، والفكر المتجدد سمة من سمات قيادات فالكون، ولذا نجح مهرجان الإسماعيلية رغم التخطيط له فى مدة قصيرة.. وفى حفل الختام الذى استمر لساعتين وسط آلاف من أبناء الإسماعيلية وفى حفل مفتوح لم تحدث فيه شائبة، أثبت الإسماعيليون مدى رقيهم، وأثبت المنظمون قدرتهم على التعامل، وقدم الفنانون لوحات فنية رائعة من كل دول العالم... لذا أرجو أن تستفيد كل قنوات الهيئة الوطنية للإعلام من هذه الكنوز الثقافية. المهرجانات والفرق الفنية والقراء والكتاب هم قوة مصر الناعمة التى نحتاجها هذه الأيام أكثر كثيرا من أيام أخرى.. حافظوا على قوتنا الناعمة وادعموا هذه المهرجانات، فهى أهم لمصر كثيرا من حفلات الساحل الشمالى.. إنه الدعم الثقافى، وكما نحرص على دعم غذائى نرجو أن نلتفت إلى الدعم الثقافى لعقول المصريين غير القادرين على حضور حفلات الأوبرا أو مسارح القاهرة أو حفلات عمرو دياب وشيرين وأصالة.. آلاف المصريين تلقوا بدايات الثقافة من هيئة الثقافة الجماهيرية وحفلات أضواء المدينة وفروع هيئة الكتاب.. آن لنا أن نعيد للمصرى كتابا رخيص الثمن وفيلما جيدا وعروضا فنية مجانية.. بناء الإنسان يحتاج إلى صحة وعلاج وتعليم ويحتاج جدا إلى ثقافة.. لنبدأ حملة للدعم الثقافى لكى تعود قصور الثقافة إلى عملها الحقيقى، وتعود مطابع هيئة الكتاب للدوران لتقدم لنا استكمالا لمكتبة الأسرة.. قادرون- لو فكرنا قليلًا واستعدنا حماسنا- على أن نمد فئات الطرق الثقافية وأن نعبر بقنوات كثيرة معارك الجهل والتدين الزائف.. بقليل من الدعم للثقافة من كل الجهات والمسئولين والمجتمع المدنى سنقضى على طيور الظلام.