الدستور
د. محمد عفيفى
طه حسين ومستقبل الثقافة فى مصر
«واستقر فى نفسى أن واجبنا فى ذات الثقافة والتعليم بعد الاستقلال أعظم خطرًا وأشد تعقيدًا». لا أدرى لماذا أتذكر الآن هذه الكلمات المهمة والدالة التى سطرها طه حسين فى الصفحة الافتتاحية من كتابه الشهير «مستقبل الثقافة فى مصر».
هذا الكتاب الذى شرع طه حسين فى كتابته بعد إبرام معاهدة ١٩٣٦، وإحساس المصريين آنذاك بأن مصر قد حصلت على الاستقلال الحقيقى، من هنا طرح المفكرون على أنفسهم أسئلة: وماذا بعد؟، ما هو الواجب الأول على مصر والمصريين؟، أين الطريق؟.. لذلك أخرج طه حسين كتابه هذا ليس كأى كتاب أكاديمى، لكنه فى الحقيقة أقرب إلى أن يكون «بيانا للأمة» أو خارطة طريق لمستقبل مصر أطلقها طه حسين فى عام ١٩٣٨.
لماذا أتذكر هذا الكتاب البيان الآن؟.. فى الحقيقة تذكرت هذا الكتاب بعد ثورة ٢٥ يناير عندما اختزل البعض الثورة فى مجرد الإصلاح السياسى، ودعا إلى الانتخابات أولًا، وكأن أزمة مصر كانت فى تزوير الانتخابات، أو حتى فى استبدال أغلبية البرلمان من الحزب الوطنى إلى التيار الإسلامى بعد الثورة، وأُرهقنا فى النزول إلى عدة استفتاءات وانتخابات. ولم يفطن هؤلاء أن الإصلاح السياسى والديمقراطية هى أولًا وأخيرًا مسألة ثقافية، وما لم تتغير الثقافة السياسية، بل الثقافة عامةً، لن يحدث تغيير حقيقى، وسيستبدل الناس أغلبية سياسية ما بأغلبية أخرى، هى فى الحقيقة من نفس ثقافة النظام القديم، ولكن بوجهٍ آخر!.
ورأى البعض الآخر أن الأولوية القصوى للإصلاح الاقتصادى، وربما فى ذلك بعض الحقيقة، ولكن ليس كلها، ففى بلد يفتقر إلى حدٍ ما للثروات االطبيعية، يصبح البشر هم الثروة الحقيقية لها، إذا ما أُحسِن استثمارها. هكذا كان مشروع النهضة الأولى على يد محمد على؛ التعليم والبعثات والترجمة والثقافة، يُخدِّم على الجيش والتطور الاقتصادى ورقى البلاد. وكذلك كان مشروع النهضة أيام جمال عبدالناصر الذى خاطب وزير ثقافته ثروت عكاشة قائلًا: «من السهل بناء المصانع ولكن من الصعب إعادة بناء الإنسان المصرى، وهذه مهمتك الآن».
عودة إلى الكتاب البيان «مستقبل الثقافة فى مصر» الذى أعتقد أنه ما زال صالحًا فى مجمل أفكاره حتى الآن. أراد طه حسين فى هذا الكتاب أن يضع استراتيجية ثقافية للمستقبل، موضحًا أن الديمقراطية فى الحقيقة تبدأ من نظام تعليمى حديث يُنمى قدرات الطالب المصرى ويجعل ملكاته نقدية، ويقضى على أسلوب التلقين والحفظ أو ما يُسمى النظام الأبوى فى التعليم.
زرع طه حسين الأمل فى المستقبل عندما قال بأن العقل المصرى آنذاك ليس أقل من العقل الأوروبى قدرةً ولا إمكانيات، وأنه ينتمى إلى نفس الأسرة، وأن النظر إلى الماضى والتعلق به لن يجعلنا ننظر إلى المستقبل، وأن مصر هى بحق قاطرة الثقافة العربية.
هكذا انتهى طه حسين فى كتابه إلى أن التحدى الحقيقى لمصر بعد الاستقلال هو الثقافة والتعليم، وأعتقد أن هذا التحدى ما زال قائمًا حتى الآن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف