د. حماد عبد الله حماد
البلطجة فى الأحياء الراقية!
بلطجة فتوات الأحياء الشعبية فى المحروسة تعرض لها كثير من كُتَّابنا وأدبائنا وعلى رأسهم أديبنا الكبير «المرحوم نجيب محفوظ» وكانت كل الدلائل تشير إلى أن البلطجى أو الفتوة محاطا بمريدية «ومرتزقيه» وعصابته ويفرض سيطرته وسلطاته على كل كائن حى فى المنطقة التى يسودها، وفى الغالب كان الطيب منهم (الفتوات) يسعى لإشاعة العدالة بين فقراء وأغنياء المنطقة، وكانت الدعوة دائمًا بأن (يعيش الفتوة ملك الحتة) حتى يدافع عن مصالح الأغنياء ويمنع عنهم الأذى من الغير.
والفتوات زمان كانوا يتميزون «بالمْرَّجَلْة» وبصفات المحارب حيث الفتوة يأخذ منصبة (بذراعه وبعصاه) وليس «بقلة الأدب»!! ومع ذلك فإن الحروب التى كانت تقوم بين فتوات الأحياء مثل حرب «فتوة الحسينية» ضد «فتوة الجمالية» شىء يشبه الحروب الأهلية، إلا أن الانتصار كان دائماَ لصاحب السطوة، وكانت الهدنة تتم على ما يقدمه العقلاء من الحكماء فى المنطقة للفتوات المتنازعين من أفكار، وإتاوات زيادة، وتقسيم جديد لمناطق النفوذ حتى يستتب الأمن والسلام فى الحى.
ولقد استطاعت المحروسة بعد انتهاء «حكم المماليك» أن تتخلص نسبياً من هذه القوى الغاشمة (الفتوة) ليحل محلها (الَثَّمنْ) أو نقطة الشرطة حيث قسمت القاهرة إلى «ثمانى مناطق إدارية» وكل «ربع» فى هذا التقسيم يوجد به قسم بوليس يتبعة نقطة بوليس.
وفى بدايات انتشار الشرطة كان الاستعانة بالفتوة أمرًا لازمًا وحيويًا واستمر لفترة طويلة حتى تم الاستغناء عنهم رسمياَ، واستمرت «ثقافة الفتونة والبلطجة» منتشرة فى بعض أحيائنا الشعبية بصورة غير رسمية، ولكنها ما زالت حتى الآن تلقى بظلالها على المجتمع ولعل فى غياب التدخل الأمنى أو الشرطى فى بعض الظواهر التى نراها فى صور متعددة تعطى دلالة بالغة على أن البلطجة قد تطورت مع الزمن ومع التكنولوجيا الحديثة انتشرت وتعددت مظاهرها القبيحة دون خجل ودون «خشى»!
فترى بلطجة على صفحات بعض الجرائد وخروج عن «اللياقة وعن الآداب العامة» وتحولت العصا فى يد البلطجى الفتوة إلى «قلم» يذبح ويقطع ويتعرض للأعراض وللشرف بغية الابتزاز، والتكسب من خلال حملات ظالمة دون سند من الحقيقة، ورغم أن القانون المصرى قد طور أدواته بحيث شرّع المشرع مواد تعاقب على (القذف والسب) إلا أن التفافات كثيرة تحدث حول القانون لم تَحُولْ دون وقوع الجريمة.
وما نرى من بعض السفلة على شاشات التليفزيون خاصة الفضائيات حيث كل شىء مباح تحت اسم «الحرية» و«حرية الرد» وكفالة التعقيب، وكلها «شرشحة» و«قلة أدب» وتهجم بالألفاظ وبالإتهامات، والسباب دون رابط أو ضابط.. شىء أصبح لا يمكن احتماله.
ونحن نقدم لشبابنا وأطفالنا قدوة فى المجتمع لأشخاص يفترض فيهم بحكم مناصبهم السابقة أو اللاحقة أنهم كبار ومسئولون وللأسف الشديد أن السافل، والبلطجى المعاصر أيضاَ، له مريدون وله محيطين به من المرتزفة والجهلة والفتوات الصغار!
ولعل الحادث الذى وقع بمنطقة القاهرة الجديدة وقيام بلطجية رجل أعمال بالإعتداء على أسرة فى الجوار، دليل على أن حالة البلطجة مازالت سائدة! ولعل ما اتخذته وزارة الداخلية من موقف حاسم والقبض على الجميع ووضعهم قيد القانون، لا شك بأنها لقطة تحتاج لتقديرنا وتقدير «شعب مصر» لهذه الحركة الشرطية السريعة ضد ظاهرة «السفالة والبلطجة» فى المجتمع، والتى أثبتت هذه الأيام أن عنوانها ومحل إقامتها ليس فقط فى «عشوائيات المدينة» يعيش هؤلاء الخارجون عن القانون بل العكس، أثبتت الظاهرة أن الأخطر هم هؤلاء البلطجية من «سكان الفيللات والقصور»!