السيد العزاوى
الكلم الطيب .. أنوار الإيمان ومواجهة التحديات
هموم ومشاكل حين تحيط بالمسلم فإن أنوار الإيمان في قلبه تزيح بفضل من الله ما ترسب في النفس من آثار هذه العواصف اليومية التي يتعرض أي مسلم في مستهل يومه في مسيرة الحياة بأعبائها المتعددة. قوة الإيمان هي سلاح المؤمن في مواجهة أي تحديات أو مؤامرات من البشر. والمسلم الحصيف يستهل يومه بتفويض الأمر لله سبحانه وتعالي مردداً قول الحق تبارك وتعالي "وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد" وبفيض من الحق تبارك وتعالي فإن التحديات والظلمات أيا كان مصدرها فإنها تنقشع بحول الله وقوته هكذا يعلمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم كيف نستهل يومنا وسط هذه الهموم التي قد تحيط بالمسلم وتحدث صراعاً بين جنبيه ولا يدري كيف يتخلص منه؟ وللخروج من هذه المعاناة التي امتلكت الوجدان فإن الأمر يتطلب التشبت بالإيمان ولا يستسلم لأي نوازع شيطانية أو وسوسة نفسية. إذ الإيمان هو الملجأ والوسيلة الأهم لمواجهة هذه التحديات.
ومما يؤكد هذه الحقيقة ما جاء في صحيح الإمام أحمد عن أبي راشد الحبراني قال: أتيت عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما فقلت له: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلي الله عليه وسلم فألقي بين يدي صحيفة فقال: هذا ما كتب لي رسول الله صلي الله عليه وسلم. فنظرت فيها. فإذا فيها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله علمي ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت؟ فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: يا أبا بكر قل: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه. أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه. أن اقترف علي نفسي سوءاً أو أجره علي مسلم. كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من قال: اللهم فاطر السماوات والأرض. عالم الغيب والشهادة. إني أعهد إليك في هذه الدنيا. أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك. وأن محمداً عبدك ورسولك. فإنك إن تكلني إلي نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير. وأني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهداً توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد. إلا قال الله عز وجل لملائكته يوم القيامة: إن عبدي قد عهد إلي عهداً فأوفوه إياه. فيدخله الجنة" أخرجه الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه.
هذه هي الروشتة التي أوصانا رسول الله صلي الله عليه وسلم بالالتزام بها وترديدها بقلب وعقل صاف في كل صباح ومساء وهي أفضل الوسائل لمواجهة أي تحديات تواجه المسلم في حياته اليومية. وكذلك تعتبر بمثابة الحصن لوقايته من ألاعيب البشر ومؤامراتهم التي يدبرونها بليل. وبقدرة الحق تبارك وتعالي تندحر كل خيوط هذا التآمر "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" وكما يقال في الأمثال: العبد في التفكير والرب سبحانه في التدبير.
ولاشك أن من سنن الله في هذا الكون الصراع بين الخير والشر بقيادة الشيطان الذي لعنه الله وأعوانه وأتباعه من المجرمين الفاسدين. الصراع بين الحق والباطل والإيمان والكفر ومما يشير إلي ذلك قصة فئة آمنت بربها وسمت أرواحها وانتصرت علي الشيطان وأعوانه بأعمالها في مجال الخير وأعماله. وفي نفس القصة فئة فهمت أن الدنيا دائمة لهم وأنهم لن يموتوا وإن ماتوا فسيردون إلي نعيم أحسن مما كانوا فيه. تفاصيل هذه القصة قد ذكرها الله سبحانه وتعالي في سورة الكهف: "واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا" 32 الكهف. وتشير آيات القرآن الكريم إلي تفاصيل الحوار بين أهل الإيمان وبين الطامعين في نعيم الدنيا وأن هؤلاء إذا رجعوا ربهم فسيجدون خيراً مما كان لديهم. ومن يتأمل جيداً هذه الآيات الكريمة يدرك مدي الفرق بين تفكير هذين الرجلين الوارد ذكرهما في هذه الآيات.
مسيرة أهل الإيمان تؤكد مدي قوة الإيمان لديهم وأنهم يتطلعون إلي رضا رب العالمين يخافون ربهم من فوقهم دون التفات إلي أهل الشر وأفعالهم وأنهم إذا قدموا أي عمل أو صدقات فإنما يريدون وجه ربهم "ويطعمون الطعام علي حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ہ إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً ہ فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا" هكذا دائما رؤية أهل الإيمان. الأنوار التي امتلكت وجدانهم تنصرهم علي كل نوازع النفس البشرية ووساوس الشيطان وأنهم بكل أعمالهم يريدون وجه ربهم "وما لأحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلي ولسوف يرضي" "إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد".