المصريون
د . ماريان جرجس
سد إثيوبيا فى مثلث الرئيس والمواطن والكنيسة الأرثوذكسية..!
تصورت لفترة ليست بوجيزة، أن لكل مواطن مهما اختلفت ثقافته ومهنته وخلفيته البيئية، أنه بالفطرة لديه الوعى الإدراكى الموجود فى جميع مخلوقات الله, ولكن وبدون صدارة لتلك الكارثة التى نحن بصددها, تفحصت بعين دقيقة ذلك الوعى الإدراكى فى المواطن المصرى تجاه الخطر الذى يهدد نهر النيل بلا أدنى شك.
ولكنى وجدت العكس.. ولم أكن أتصور أن حالة السخط المطلق التى تملكت المواطن المصرى هددت الوعى الإدراكى الغريزى داخل كل إنسان.. فوجدت السخط وكأنه لا يعبأ بالعواقب، بل لا يتابع ولا يفكر ولم أر منظمة الحفاظ على ماء النيل مثلا تتألف من شباب مصريين! أو جمعية حوض النيل أو حتى ائتلاف الحفاظ على مياه النيل! بل وجدت الكثير ممن وبختهم بمنتهى التهُذب ومحاولة بائدة فى استرعاء انتباههم وهم يغمرون الأرض بذلك الخرطوم الذى يضخ المياه فى الأرض عن ترشيد الاستهلاك وخطورة السد الألفى الكبير (على حسب التسمية الأمهرية فى إثيوبيا).
وبالطبع قوبلت بالسخرية والسخط والاستسلام الكامل والاستعداد لحال أسوأ فأسوأ، وكأنهم يقولون بداخلهم هل من مزيد من السوء؟
ولكن تصور آخر من زاوية أخرى، يرى ذلك السد المخيف الذى يخالف قانونً مبادرة حوض النيل وليس اتفاقية حوض النيل.. رأيت ذلك السد على الخريطة لا يقع على النيل الأزرق فى إثيوبيا فى ولاية بولاية بنيشنقول - قماز بالقرب من الحدود الإثيوبية السودانية.
ولكنه فى الحقيقة يقع فى مثلث أضلاعه الثلاثة: المواطن والرئيس والكنيسة الأرثوذكسية تحديدًا!
المواطن وهو الضلع الأول الذى تحدثنا عنه فى المقدمة ثم نظرت إلى الرئيس.. لماذا يذهب سيادة الرئيس إلى رواندا؟ ويدعو الرئيس الرواندى لزيارة مصر، ولماذا يذهب معالى وزير الخارجية بروندى ولماذا يحاولون توطيد العلاقات فى دول إفريقيا النامية؟ هل لأننا فقدنا دولة السودان واحدة من دولتى المصب، والتى كانت تستطيع أن ترفض بناء ذلك السد، ولكنها رحبت بحفاوة..
إذا فالضلع الثانى يحاول محاولات مضنية لحل الأزمة التى لا نعرف عنها الكثير، لأننا نبدو غير مهتمين بذلك الملف..
أما عن الكنيسة الأرثوذكسية - الضلع الثالث - وقصدت أن أخص الأرثوذكسية بالذكر، لما لا يعرفه الكثير عن نشاط الكنيسة الخدمى الخيرى فى دول إفريقيا، فهناك كنائس بعينها أرثوذكسية تحت رعاية باباوية ترسل كل شهر قوافل طبية ضخمة العدد من استشاريين وأخصائيين فى كل التخصصات بالمعدات الجراحية والأدوية والمستلزمات الطبية.. قوافل طبية ذات مستوى عالٍ وطراز طبى مهنى جدًا لكل دول أفريقيا, على رأسهم إثيوبيا والسودان ورواندا وبروندى وغيرها لإجراء عمليات جراحية بالآلاف فى كل التخصصات الطبية ومساعدة تلك الدول على إدارة المستشفيات المهجورة هناك، لعدم وجود أطباء كفء بها وغياب الخدمات الطبية البسيطة لديهم تمامًا..
وهنا يكتمل المثلث، ذلك الشكل الهندسى الذى يلتقى عند قمته كل الأطراف, فإذا الكنيسة تمد تلك الدول خاصة إثيوبيا بإمدادات طبية مهولة كعمل خيرى، فضلاً عن علاقة الكنيسة الإثيوبية بنظيرتها المصرية فلما لا يكون للكنيسة المصرية دور فى حل الأزمة؟ وتساعد القيادة المصرية؟
أما عن ضلع الرئيس ومسئولى الخارجية المصرية، فلهم كل الشكر لمجهوداتهم المنفردة لأجل حل الأزمة.. وعند قمة المثلث وهو إدراك المواطن المصرى، فهل تنتظر عزيزى المواطن تلك الدقيقة وأنت تلوث مياه النيل وتضخ بالمياه من ذلك الخرطوم فى شارعك أن تنقطع المياه فجأة فتنظر لنهر النيل تجده أرضًا جرداء؟ ترى كبارى الجامعة وقصر النيل وعباس تعبر بك على أرض جرداء؟! فتعود تسخط على الوطن وتدين المسئولين؟ أدعو الله ألا نرى ذلك المشهد المقيت.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف