الجمهورية
بسيونى الحلوانى
في بيتنا "داعشي"
تلقيت اتصالا هاتفيا من أب يتحدث عن مأساته مع ابنه المتدين أو المتطرف الذي يصر علي رفع صورة أمه من علي حائط غرفة الاستقبال بالمنزل انطلاقا من قناعته بأن "الصور حرام" وحتي لا تتعذب أمه بهذه الصورة!!
قال الأب الذي يعيش مأساة حقيقية مع ابنه: عادل.. ابني الأكبر.. كان شابا مرحا يهوي الرياضة ويعشق النادي الأهلي ويعيش حياة كلها مرح وتفاؤل حتي دخل جامعة الاسكندرية وبدأ يعيش حياة انطوائية ثم أطلق لحيته ويتحدث كثيرا عن الحرام ويغضب لو فتحنا قناة فضائية لمشاهدة مسلسل أو فيلم ويترك المنزل ثم يعود الي غرفته لينام دون نقاش مع أحد.
يضيف الأب: حاولت فتح حوار ديني مع "عادل" أكثر مرة فكان يسخر من كلامي بما يوحي أنني جاهل في الدين. فرتبت لقاء بينه وأستاذ أزهري ليتحاورا في الدين وأستمع أنا إليهما ولكنه تهرب من اللقاء رغم أن الرجل الأزهري ودود للغاية ولديه القدرة علي استيعاب أي شاب.
والأب يسأل: ماذا أفعل مع ابني الذي حول حياتنا كلها الي حرام حتي صورة أمه أصر علي رفعها من علي الحائط حماية لها من عذاب الله!!
بالتأكيد في كثير من بيوتنا نماذج من "عادل" الذي كان ضحية جماعات التطرف التي لا تزال لها جذور أو فلول في الجامعات المصرية التي يعشش بها الفكر الداعشي ولا يزال يستقطب الشباب أو يضللهم بأفكار مسمومة وثقافة مغشوشة.
شبابنا لا يزال في مرمي جماعات التطرف والتكفير وهذه الجماعات الضالة تعرف كيف تستقطب هؤلاء الشباب بوسائل متنوعة وكيف تزرع في عقولهم بذور التطرف وتحولهم الي طاقة عدوانية وقنابل موقوتة ضد المجتمع كله.
لذلك ينبغي التحرك فكريا وثقافيا لحماية شباب الجامعات من الفكر المتطرف الذي يستهدفهم. والتحرك ليس بالمزيد من الاجراءات الأمنية. فالمواجهة الأمنية - كما أجمع العلماء والمفكرون وقال العديد من خبراء الأمن- لا تكفي وحدها لحماية شبابنا من خوارج العصر الذين حولوا حياتنا كلها الي حرام بلا علم وبلا فقه وبلا وعي بتعاليم الإسلام ومقاصد الشريعة الإسلامية وفلسفتها في الحلال والحرام.
هذا الشاب الذي وقع فريسة لفكر التطرف وأصر علي رفع صورة أمه من فوق الحائط لا يدرك شيئا عن موقف الشريعة الإسلامية الصحيح في التصوير والمصورين.
هذا الشاب بالتأكيد لا يعرف أن الصور عموما علي جدران البيوت ليست محرمة - كما يتوهم المتطرفون- وأن قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير.. هي - كما قال علماء الإسلام الثقات- التصاوير المعبودة لأن التصاوير الموجودة علي جدران البيوت لا تكون أوثانا بل مجرد تصاوير أو تماثيل إلا إذا كانت تعبد فتكون في هذه الحالة أوثانا محرمة.
لقد قال الفقهاء: إن هذه التصاوير تكون محرمة إذا كانت تعبد من دون الله.
فالحكم بالتحريم هنا يدور مع العلة وجودا وعدما. فإذا وجدت العلة وجد الحكم. وإذا انتفت العلة انتفي الحكم. ولذلك يتغير الحكم من عصر إلي عصر. بل ربما يتغير الحكم الواحد في العصر الواحد بانتفاء العلة أو وجودها.
سألت العالم الأزهري د.نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي الجمهورية الأسبق: هل صور الزينة أو التذكار التي توضع علي جدران المنازل حرام؟
قال: لا.. الحرام شرعا هي التماثيل الكاملة أو النقوش التي تتخذ للعبادة من دون الله.. هذه هي موضع التحريم في الأحاديث.. أما إذا لم توجد علة العبادة بأن كانت للتكريم أو للزينة أو التذكار فهي مباحة.. والصور الضوئية مباحة للأغراض المختلفة الي تستخدم فيها. ومن هنا فإن وجود صورة لشخص ميت أو حي علي حوائط المنزل ليس حراما والقول بحرمة وجود هذه الصورة وعدم دخول البيت لهذا المنزل هو سلوك متطرفين.
والسؤال هنا: هل هذا الشاب وأمثاله ممن يحرمون دون دليل أو برهان أعلم بالشريعة وأحكامها من عالم مثل د.واصل؟
نحتاج الي مزيد من الجهود لكي نحمي شبابنا وخاصة شباب الجامعات من الفكر الداعشي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف