الأهرام
د . أحمد عاطف
من قتل الخصوصية؟
جزء كبير من البشر في الكرة الارضية الآن يمتلكون التليفون المحمول واغلب هؤلاء يمتلكون حسابات علي مواقع التواصل الاجتماعي ويبحثون عن المعلومات علي محرك البحث جوجل ويمتلكون حساب ايميل شخصيا. ولكي تستطيع ان تتعامل مع كل هذه الخدمات، يلزمك وضع كلمة سر او بتميمتك السحرية التي تحافظ بها علي خزائن أسرارك. وكل منا يغير كلمة السر كل فترة ليضمن الا ينتهكها متطفل أو شرير أو مندس يريد كشف عالمنا الخاص أو سبر أغوار خصوصيتنا او كشف اللثام عن ادق ما نخبئ. لكن هل كلمات السر سرية حقا؟ هل لا يطلع علي تلك الحسابات احد؟ هل نحن في مأمن من كشف اسرارنا و معرفة ما نضمره ؟ كل تلك الاسئلة و أكثر يطرحها الفيلم الامريكي «الدائرة» الذي يعد من اكثر الافلام الامريكية اثارة للجدل في الفترة الأخيرة. إنه يحكي عن الفتاة «ماي» التي تلعب دورها النجمة الواحدة ايما واطسون بطلة سلسلة هاري بوتر، التي تتلقي عرضا من احدي صديقاتها للالتحاق بشركة «الدائرة» التي يصفها الفيلم كأكبر شركة للتكنولوجيا و شبكات التواصل الاجتماعي في العالم. طبعا اذهاننا كمتفرجين تذهب الي الفيس بوك، لانها المثال الاكبر لهذا النوع من الشركات. يجدر الذكر أنه قبل ظهور الفيس بوك كانت هناك شبكات مماثلة تحاول الربط بين البشر مثل ياهوو و هاي 5، لكن الفيس بوك جاءت ومسحت كل هؤلاء بعبقرية تصميمها التكنولوجي الاسهل للاستخدام البشري الذي يلبي احتياجات المشتركين فيها والامكانات التكنولوجية الهائلة التي تتطور بها كل يوم و تمنح المشاركين مجالا اكبر للتواصل واشكالا جديدة للمشاركة والاندماج معا. حتي ان الفيس بوك صنفه بعض العلماء مرضا اكثر منه وسيلة تواصل اجتماعي. لانه اصبح بديلا للحياة الطبيعية عند الكثير من المشتركين فيه. بل واصبحوا يستعيضون به عن الكثير من الانشطة الحياتية. فيهنئ بعضهم البعض من خلاله بدلا من التزاور ويرسلون بعض الهدايا الديجيتال بدلا من الحقيقية، و بل ويحبون ويكرهون اليكترونيا بدلا من الاشتباك بشكل حقيقي وجها لوجه. ماي التحقت بالشركة و اثبتت من اللحظة الاولي لاختبار التوظيف انها عبقرية، ذكاؤها متقد وروحها عصرية الي اقصي حد. و في اللقاء الدوري لموظفي الشركة يظهر توم هانكس في دور ايمون بايلي صاحب الشركة ومؤسسها في ملابس وطريقة تحدث اقرب لستيف جوبز مؤسس شركة ابل الذي أصبح أسطورة لذكائه والمعيته وقدرته علي تغيير وجه العالم باختراعات شركته وبقدرته علي جعل موظفيه مخلصين للكيان الذي أنشأوه اكثر من انتمائهم لأسرهم في بعض الاحيان. في «الدائرة» اماكن للسباحة و حفلات اسبوعية وترفيه دائم عن الموظفين ليخرجوا افضل ما لديهم ويحبوا المكان. و جوبز فعل ذلك من قبل و قلدته بعدها شركات كبري اخري. في الاجتماع يعرض بايلي آخر منتجات الشركة و هي (سي شانج) او بعد النظر : وهي كاميرا صغيرة في حجم حدقة العين تلصق في اي مكان دون اسلاك و تستطيع في التو واللحظة نقل اي حقيقة مختبئة يرفض اصحابها ان يظهروها للعلن. و يقول بيلي ان الكاميرا ستمنح العالم عصرا اكثر ديمقراطية وستجعل الشفافية هي عنوان الكون. تندمج ماي في اعمال الشركة حتي تكتشف جانبا آخر للحقيقة. تتعرف مصادفة علي «تاي لافيت» الشاب الاسمر الذي اخترع اهم انجازات الشركة وهو برنامج «ترو يو» الذي يحلل ويكشف اسرار اي شخص منذ مولده. لكن ماي تجده منزعجا ان اختراعه تم تحويره الي وجهة سيئة لم يقصدها. وتتفهم ضيقه وقراره بأن يصبح في الصفوف الخلفية للدائرة. ورغم ذلك توافق ماي علي عرض بيلي بأن تكون اول انسان في العالم يضع كاميرا تراقبه 24 ساعة في اليوم ليكون شفافا لمتابعي موقع شركة الدائرة. تتعرض حياة ماي الشخصية للاختراق والاهانة بسبب هذا القرار حتي ان اهلها واقرب اصدقائها يقاطعونها. يكشف لها لافيت ان شركة الدائرة تخترق «الباس وورد» الخاص بأي شخص في العالم من متابعيها وتصبح اسراره ملك يديها وتتحكم بها كما تشاء. وينبهنا الفيلم الي آفة شبكات التواصل والايميل التي نثق فيها اليوم ثقة عمياء وهي اننا نعطيها طواعية كل اسرارنا.الفيلم ينتهي بحيلة تصنعها ماي في مالك الشركة انها تورطه امام متابعيه في العالم بان تضع له علي الهواء كاميرا الشفافية لتراقبه علي مدى الساعة والشاب لافيت يكشف للعالم ايميلاته السرية وحساباته المختبئة. انها تذيقه من الكأس نفسها التي تذيقها لكل البشر. هانكس انتج الفيلم مع مخرجه جيمس بونسولدت عن رواية لديف ايجرز . وفشل الفيلم نقديا لكنه حقق ايرادات ضعف تكلفته. ويحسب له انه نبهنا لاخطر ما نعيشه اليوم و هو اننا مراقبون و مستلبون بارداتنا كالاغبياء.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف